Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق .. (3/3)

للاستمرار في الحوار مع القرآن المجيد لابد من استجماع الوسائل المُمَكِّنة من ذلك، وهذه الشروط قد نص عليها علماؤنا في مظانها كالإمام السيوطي رحمه الله في “إتقانه”، والإمام الزركشي البدر رحمه الله في “برهانه” بكلام جامع، ومانع، يعتبر المنطلق للتعامل البنّاء مع القرآن المجيد، والذي من خلاله سوف يتمكن الإنسان من القيام بوظيفته؛ والتي هي نقل الهداية للتي هي أقوم الكامنة في القرآن الكريم إلى دنيا الناس، كما في قوله تعالى: “إن هذا القرءَان يهدي للتي هي أقوم” [الاِسراء، 9]، وهذا التقرير وحده لو أننا أعملنا فيه الفكر، واجتهدنا لفهم أبعاده، لرأينا أن ثمة اختلالا ما، فلو أننا تساءلنا سؤالا أوّلا، انطلاقا من تقرير الله تعالى أن هذا القرءَان يهدي للتي هي أقوم، وإذ أن هذا تقريرٌ إلاهيّ، فهل يمكن أن يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه؟ هل يمكن تصور حالة لا يهدي فيها هذا القرآن للتي هي أقوم؟ بالطبع لا، هذا سؤال أول؛ سؤال ثانٍ، إذا كان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، هل حالنا اليوم ينطبق عليها، أنها التي هي أقوم في كافة المجالات؟ وما هي المجالات التي يمكن أن نزعم أنها داخلة في التي أقوم؟ وما هي المجالات التي يمكن أن نقرر أنها ليست داخلة في التي هي أقوم؟ وما هي معايير ذلك؟ وسوف نرى كيف أن عددا من المعارف، وعددا من العلوم تتفتّق ذات اليمين وذات الشمال، علوم من شأنها تمكيننا من أن نبدأ في علم منهاجيّ جديد، فقط من خلال هذه الآية! مثل أن نحدد معايير التي هي أقوم في كل مجال على حدة، وكيف يمكن أن نستدرك التخلف والتراجع عن التي هي أقوم، لكي نرجع إلى التي هي أقوم. فإن نحن بنينا على هذا الأصل، ونظرنا إلى حال الدراسات القرآنية في هذه المجالات، ونقصد المجالات التساؤلية، سوف نعترف بسرعة أن الدراسات ليست فيها بعدُ الحركية المطلوبة، ولا هذا النبض الذي تحض وتحث عليه هذه الآية. فرغم أن بين أيدينا الكتاب المحفوظ الذي يهدي للتي هي أقوم؛ فإننا متخلفون عن التعامل معه بهذا الاعتبار، قال تعالى: “هو الذي بعث في الاُميين رسولاً منهم يتلواْ عليهمُ ءَاياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة” [الجمعة، 2]، فكانت التلاوة التي هي مستوى من مستويات القراءة؛ لأن القراءة من قَرَأ يَقرأ، جَمَع يَجمَع، وهذا الجمع فيه كل المستويات التي يمكن تصورها من مستويات الوجود ومراتبه، وقد قسم الإمام الغزالي رحمه الله مستويات الوجود على أربعة، فهناك مستوى عيني مشخَّص، ومستوى ذهني، ومستوى لفظي، ومستوى بَناني.. ونحن الآن نعيش في زمن تبلور مستوى خامس؛ المستوى الافتراضي، فإذن هناك مستويات متعددة يمكن أن تنفتح عليها القراءة، ولا يتسع المجال هنا للتفصيل فيها.

والله المستعــان.

الأمين العام

للرابطة المحمدية للعلماء

أرسل تعليق