وسائل إثبات النسب أو نفيه في ظل التطورات البيولوجية المعاصرة.. (2)
وسائل إثبات النسب
يثبت النسب من الناحية الفقهية[1] بثلاثة وسائل: الفراش والإقرار والبينة.
أولا: إثبات النسب عن طريق الفراش:
الفراش لغة وشرعا:
الفراش لغة: مصدر فرش يفرش، وهو بسط الفراش، والفراش الزوج، والفراش المرأة[2].
وشرعا يراد بالفراش الزوجية القائمة بين الرجل والمرأة[3] وأصل ذلك ما روي عن عائشــة قالت: “اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام فقال سعد: هذا يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص، عهد إلي أنه ابنه، انظر إلى شبهه، وقال عبد بن زمعة هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي من وليدته، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى شبها بينا بعتبة فقال: هولك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة، فلم تره سودة قط“[4].
والفراش الذي يثبت به النسب ثلاثة أنواع:
1. فراش بعقد صحيح؛
2. فراش بعقد فاسد؛
3. فراش بشبهة[5].
1. فراش بعقد صحيح:
يعتبر الفقهاء العقد الصحيح المستوفى لأركانه وشروطه الشرعية سببا في ثبوت النسب، لكنهم اختلفوا هل يكفي مجرد العقد وحده في إثبات النسب أم لا بد أن ينضم إليه شيء آخر؟
فالجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة يشترطون إمكان الدخول[6]، وذهب أبو حنيفة إلى أن مجرد العقد يكفي لإثبات النسب، ولا يشترط أي شرط آخر.
وبناء على ذلك فلو تزوج رجل بامرأة وتيقن عدم اتصالهما، ثم أنجبت ولدا خلال المدة المقررة شرعا من حين ذلك العقد، فإن نسب الولد لا يثبت عند الجمهور لانتفاء إمكان الدخول، في حين يثبت نسبه عند أبي حنيفة بمجرد العقد[7].
وإذا حصلت الزوجية لا بد من توفر مجموعة من الشروط تقتضيها إمكانية الدخول وهي:
1. إمكان حمل المرأة من زوجها صاحب الفراش، ويتأتى ذلك بشرطين:
أ. أن يكون الزوج ممن يولد لمثله، فلو كان الزوج صغيرا لا يولد لمثله، فإن نسب الولد لا يلحق به، لأنه لا يكون منه وينتفي عنه من غير لعان[8].
ب. أن لا يكون به عيب من العيوب التي تمنع الجماع بمفهومه الشرعي كالجب مع الخصاء؛ لأن الولد لا يخلق إلا من ماء (مني)، ومن قطعت خصيتاه لا مني له فينتفي عنه الولد من غير لعان[9].
2. أن تكون الولادة بعد مضي أقل مدة الحمل، وأقل مدة الحمل عند الفقهاء ستة أشهر وقد استدلوا على ذلك بالآيتين الكريمتين الأولى قوله تعالى: “ووصينا الاِنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا” [الاَحقاف، 14]. والثانية قوله تعالى: “ووصينا الاِنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين” [لقمان، 13].
ووجه الاستدلال أن الله سبحانه وتعالى جعل مدة الرضاع عامين وجعل مدة الحمل والرضاع جميعا ثلاثين شهرا فدل ذلك على أن مدة الحمل وحدها ستة أشهر.
وابتداء حساب مدة ستة أشهر يكون من يوم العقد أومن يوم إمكان الوطء بحسب اختلاف الآراء الفقهية[10].
يتبع في العدد المقبل..
—————————————————–
1. موسوعة الأحوال الشخصية معوض عبد التواب، الطبعة الثالثة، 1986 منشاة المعارف، ص: 73.
أحكام الأسرة في الإسلام محمد مصطفى شلبي الطبعة الثانية 1977، دار النهضة العربية، ص: 683.
2. ابن منظور، مرجع سابق، ج: 2، ص: 1074.
3. عبد العزيز عامر الأحوال الشخصية فقها وقضاء الزواج الطبعة الأولى 1984، دار الفكر العربي، ص : 13.
4. النووي علي مسلم كتاب “الرضاع” باب الولد للفراش وتوقي الشبهات، ج: 10، ص: 37.
5. دراسات في النسب علي حسين فطناسي، الطبعة الأولى، 1985، ص: 26-31.
6. شرح مسلم” النووي، ج: 10، ص: 38 علي حسين فطناسي، ص: 26.
7. نصب الراية الزيلعي، ج: 3، ص: 71 – عبد العزيز عامر، ص: 14.
8. المدونة الكبرى رواية سحنون عن ابن القاسم عن الإمام مالك، ج: 2، ص: 88، دار الفكر 1928.
9. جاء في المدونة: “قلت هل يلزم الخصي والمجبوب الولد إذا جاءت به امرأته ؟ قال سئل مالك عن الخصي هل يلزمه الولد؟ قال : قال مالك: “أرى أن يسأل أهل المعرفة بذلك، ما كان يولد لمثله لزمه الولد وإلا لم يلزمه” المدونة، مرجع سابق، ج: 2، ص : 88.
10. شرح مسلم النووي، مرجع سابق، ج: 10، ص: 38. ابن قدامة، مرجع سابق، ج: 8، ص: 121.
أرسل تعليق