نظرات في التحدي التربوي..(14)
التفكك الأسري أو اهتزاز بنية العائلة
يقول عز وجل في محكم كتابه الحكيم: “وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون” [العنكبوت، 41].
الأسرة وحدة اجتماعية موصولة ببقية مؤسسات المجتمع، تتأثر بتحولاته، وتؤثر في بعض جوانبه، وهي الحضن التربوي الأول الذي يتشرب منه الإنسان أنماط السلوك المختلفة ومعايير القبول في المجتمع.
والأصل في الأسرة هو “استقرار أحوالها المعيشية ومعتقداتها الدينية أو منطلقاتها الفكرية، وأي تغيرات في تلك الأبعاد تنعكس على وظيفة الأسرة في المجتمع حتما“.
وإذا طبقنا تلك القاعدة على الأسرة المسلمة المعاصرة وجدناها صادقة؛ إذ إن هذه المؤسسة (الأسرة) قد شهدت بسبب التحولات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، التي جرت في مرحلة الاستعمار المباشر اهتزازا وتفسخا في بنيتها الكلية، فلم تعد الثوابت هي الثوابت، وموازين السلوك هي الموازين، بل لحق ذلك جميعا انقلاب كبير، ومسخ معنوي مهول لم نزل نختنق بدخانه وغلوائه.
لقد أصبح التحلل سمة غالبية الأسر المسلمة، وغدا النمط الغربي سمة بارزة في سلوكها وعاداتها وتقاليدها وأسلوب معيشتها، حتى لكأنه لم يعد لهذا الحصن من دور أو وظيفة في السنوات الأخيرة سوى تلقف ما يلقي به إليه الغرب من بضائع وأنماط، ومتابعة سننه وطرائقه حذو النعل بالنعل!!
ويقترن بالاهتزاز الأسري اشتغالُ بعض الأسر المسلمة لاسيما في الحواضر والمدن بتعلم العادات الإفرنجية، وإنفاق الجهد والوقت في ذلك، فأخذت العادات الوافدة تنعكس على تفاعلات الأسرة وذوقها ونمط حياتها، ومن ثم دخلت اللغة الأجنبية إلى محيط الأسرة، وبدأ التخاطب بها والتفاخر بها يزداد على حساب اللغة الأصلية بسبب التعليم الغربي أو التقبل النفسي للاغتراب.
ونحن إذ نلاحظ هذه العُطوب الواقعة في النسق الأسري بمجتمعاتنا، لا يفوتنا أن نذكر بمعاول الهدم الرئيسة التي عملت على تقويض بناء الأسر المسلمة، وتجميد فعاليتها ووظيفتها الإيجابية، وهي:
أولا: المدرسة بروحها وبنيتها العلمانية؛
ثانيا: ثقافة الصورة ووسائط الاتصال؛ الحاملة لقيم البذخ والاستهلاك، المتحللة من هدي الدين والفطرة؛
ثالثا: تأثير المؤسسات المجتمعية العامة بما تشيعه قراراتها ومرافقها ومخططاتها الاجتماعية والفنية والإعلامية والاقتصادية الليبرالية من روح العلمنة، وبخس القيم والإغراء بالنمط الإفرنجي وتوجهاته الفكرية والنفسية..
وهكذا، أتي على الأسرة المسلمة من القواعد، وانكمشت قدرتها الوقائية الدفاعية، فأصبحت نهزة للعواصف الهادرة التي تهب من شرق أو غرب، وأصبح المرء يسمع ويرى ظواهر شاذة ومثيرة في المجتمع الإسلامي المعاصر، وهي أفظع وأسوأ أحيانا مما يسمع ويرى في غيره من المجتمعات، مثل شيوع حالات الجريمة والقتل، وتصاعد نسب الطلاق، وشعور عدد كبير من الشباب بالعزلة والقلق والإحباط والاكتئاب، والخوف من المستقبل، والرغبة الجامحة في الهروب، وتفشي ظواهر الشذوذ الجنسي والإدمان، وحالات الانتحار والانهيار، والأمراض النفسية والعصبية، وانتشار عصابات المخدرات، والاغتصاب، وغيرها.
يتبع في العدد المقبل..
أرسل تعليق