موسم السلام بمولد الإسلام
في شهر ربيع الأول، ولد نبي الإسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وولدت معه حضارة وافية، أمة سامية، وهي حضارة تقوم في الدرجة الأولى على مكارم الأخلاق وفضائل الأعمال، وتحافظ ما أمكن على مبدأ التعاون والتعامل لابتنائها، وعلى العدل والسلام لصيانتها؛ إلا حضارة بدون تعاون ولا عمارة بدون سلام، ولا حياة بدون عدل. ولقد تميز الإسلام بالإلحاح في الدعوة إلى السلام العالمي، والتعاون الأممي لما ينشأ عنها من سعادة البشر القائمة على سياسة الاتصال، والتقارب والإخاء ومراعاة سنن الازدهار والرخاء، ومن ثم كان السلام شعار الإسلام الذي يدعو الناس إليه رحمة بهم، وينهض بالأمم فيخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم.
فهو نظام الأنظمة في الرحمة والنهضة، والتسوية والعدالة لا يفرق في حياته بين الأبيض والأسود، ولا يميز في عدالته بين الأقرب والأبعد، ولا يفضل أحدا على أحد إلا بما يكون عليه من السلوك المستقيم والعمل الصالح كما قال الله تعالى: “والعمل الصالح يرفعه” [سورة فاطر،الآية: 10]، وهذه هي أسس السلام في العالم المبني عليهما، اعتبار حقوق الإنسان ومن أجل هذه المبادئ الحية والتعاليم الحقة، يرجى للإسلام مستقبل زاهر وباسم.
فكما أعقب غربة الإسلام في أوله ظهور وانتشار كذلك غربته في آخره سيعقبها انتصار وازدهار، وذلك ما يقتضيه الوعد الصادق في قوله تعالى: “هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون” [ سورة الصف، الآية:9] أي ليظهره في أوله وفي آخره، فنحن نتفاءل بالوعد الذي قطعه الله على نفسه، ولا نتشاءم كما يتشاءم غيرنا، وألا تنصروه فقد نصره الله ولا أكون مع الذين ظنوا، وبعض الظن أثم إن هذا الوعد قد تحقق في عهد النبوة، وفي عهد الخلافة الراشدة والإمارة الصالحة، فإن الذي تحقق إنما هو جزء من هذا الوعد الكريم يدل لذلك حديث الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى”، فقالت عائشة رضي الله عنها: “يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله” هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون” [سورة الفتح، الآية: 26] إن ذلك تاما، قال: “إنه سيكون من ذلك ما شاء الله، وبشائر هذا الوعد تفوح وتلوح، فإن الأوربيين أصبحوا ينظرون إلى الإسلام نظرة جديدة، ولذلك نرى العدد عديد منهم يتحولون إلى عقيدة الإسلام وينضوون تحت لوائها ويخلصون إلى نظامها، ولا يظن أن ذلك كان عن جهل وتقليد لأن العصر عصر دراسة وتجربة، فدخولهم في الإسلام إنما كان عن دراسة لمصادرة، وبصيرة بمقاصده…
وفقنا الله للسير على هداه، ولا حول ولا قوة إلا بالله
-
رحمك الله يا سيدي الرحالي الفاروقي وجزى الله خيرا من يعيد نشر هذه الشذرات.
نعم إن في عيد المولد النبوي الشريف ذكرى لمن كان له قلب فيرعوي بعد غفلة، وإن فيها لعظة للمتقين، وإنها لتذكرة للموقنين، ويقينا للعارفين.وما أحوج أمتنا (اﻷمة اﻹنسانية) إلى هذه الذكرى وأمثالها، ﻷنها ذكرى تقرب اﻹنسان من المحبة اﻹلهية "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم" لا سيما وأن أمتنا أمة علم ودراسة، فما علينا إلا أن نجعل من ذكرى مولد سيد الوجود محفلا للدعوة إلى الله على بصيرة.
والله يوفقنا ويرعانا
التعليقات