من عرف الحق شهده في كل شيء، ومن فنى به غاب عن كل شيء، ومن أحبه لم يؤثر عليه شيء
قول الشيخ بن عطاء الله رضي الله عنه: من عرف الحق، يقصد به تلك الدرجة من الإدراك التي تتسامى على مجرّد العلم، إذ المعرفة تكون ثمرة التعامل، وتحت هذه المعرفة للحق مستويات ثلاثة:
أولها: معرفة أن الله جلّ جلاله الحق خالق كل شيء ومليكه “الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل” [سورة الزمر، الآية:62]، وذلك من خلال النظر في الآيات واستجلاء البينات وحكمته تعالى تتجلى في كل شيء، ومن عرف هذا شهده في كل شيء.
ثانيها: من عرف الحق سبحانه حلّى فطرته وغاص في كينونته إلى حين انقشاع الحجاب وسماع “ألست بربكم” [سورة الاَعراف، الآية:172]، ومن عرف الحق تعالى بهذا المعنى شهده في كل شيء “ذلك بأن الله هو الحق وأن ما تدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير” [سورة لقمان، الآية:30].
ثالثها: التدبر في كتاب الله المسطور، والتفكّر في كتاب الله المنظور، يولّد معرفة راسخة بأن الأول أنزل بالحق والحق يتجلّى في كل كلماته “وبالحق أنزلناه وبالحق نزل” [سورة الاِسراء، الآية: 105]، وأن الثاني خُلق بالحق والحق يتجلى في كل أركانه “ألم تر أن الله خلق السموات والاَرض بالحق” [سورة إبراهيم، الآية:19]، ومن عرف هذه الحقيقة عن الحق شهده في كل شيء.
قول الشيخ رحمه الله: “ومن فنى به غاب عن كل شيء” يقصد به أن الاستغراق في عظمة الحق وحضرته الصمدانية يغيّب عن كل شيء سواه، لكون رياض الملكوت بزهر جمال الحق مونقة، وحياض الجبروت بفيض أنواره تعالى متدفّقة، فلا يبقى ثمة إلا هو بجماله وجلاله..
قول الشيخ رضي الله عنه: “ومن أحبّه لم يوثر عليه شيء” يقصد به أن المحبة تكون بحسب إدراك عظمة وجمال وكمال المحبوب، وكلما شمست وتعالت هذه الخصال، كان الحب للب المحب آخذ، وإيثاره على كل شيء أرسخ وآكد “والذين أَمنوا أشدّ حبا لله” [سورة البقرة، الآية:165].
والله المستعان
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
أرسل تعليق