مفهوم المخالفة في المذهب المالكي بين النظر والتطبيق
أنواع مفهوم المخالفة عند المالكية
من المعلوم أن النصوص الشرعية لم تأت بصيغة واحدة ثابتة لا تتبدل، أو على نمط معين من أنماط التعبير الذي يقع فيه تقييد الكلام بلون واحد، بل جاءت بصيغ مختلفة، ووقع تقييد الكلام فيها بأنواع من القيود، كالصفة والشرط والغاية (…) وغيرها، وذلك حتى تحقق الغاية من التشريع في تنظيم سير الحياة التي تحتاج إلى مثل هذه القيود والتعبير عن مقاصد المتكلمين.
وقد حدد أصوليو المالكية صيغ التقييد التي جاءت بها النصوص التشريعية، واختلفت آراؤهم في ذلك، بين مضيق ومفصل[1] لهذه الأنواع.
فمنهم من اقتصر على أربعة أنواع فقط كـابن رشد الحفيد (تـ 595 هـ)[2] حيث حصرها في “الصفة والشرط والحصر والغاية”.
ومنهم من جعلها سبعة كـابن الحاجب[3]، وهي الصفة والشرط والغاية والاستثناء والعدد والخاص وحصر المبتدأ”.
أما التلمساني (تـ771هـ)[4] فتميز بعدم اعتباره للحصر حين تناول أنواعه فجعلها على الشكل الآتي: الصفة والشرط والغاية والعدد والزمان والمكان واللقب”.
ومنهم من فصل أكثر فجعلها تسعة أنواع: كـابن عاصم (تـ829هـ) كما جاءت في نظمه[5]:
فـي الشرط والغايــة ذا المفهـوم قـد جـــاء وفــي استثنــاء وحصـــر وعدد
وجـــــاء فــــي العلــــــة والـزمــــــــان والوصـف بالخلف وفـــــي المكـــــان
على حين أوصلها القرافي (تـ684هـ) وابن جزي (تـ741هـ) إلى عشرة أنواع:
مفهوم العلة نحو: ما أسكر فهو حرام. ومفهوم الصفة نحو قوله عليه الصلاة والسلام “فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ”[6]. ومفهوم الشرط نحو: “من تطهر صحت صلاته”. ومفهوم الاستثناء نحو: “قام القوم إلا زيد”. ومفهوم الغاية نحو: “ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ” [سورة البقرة، جزء من الآية: 187]. ومفهوم الحصر: “إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ”[7]. ومفهوم الزمان نحو: “سافرت يوم الجمعة”. ومفهوم المكان نحو: “جلست أمام زيد”. ومفهوم العدد نحو: قوله تعالى: “فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً” [سورة النور، جزء من الآية: 4]. ومفهوم اللقب نحو: “فِي الْغَنَمِ الزَّكَاةُ”[8].
وقد نظمها بعضهم فصارت:
صف واشترط علل ولقب ثنيــا[9] وعــد ظرفــي وحصـر أغيــــا[10].
فهذه هي أنواع المفاهيم التي اشتهرت عند المالكية، إلا أنهم عند تفصيل الكلام عنها، يقتصرون على ستة أنواع فقط، وهي: الصفة والشرط والعدد والغاية والحصر واللقب؛ ولأن الحصر يضم الحصر بإنما، وبالاستثناء، توسط ضمير الفصل تقديم المعمول، الألف واللام (…) فكلها يجمعها قولهم: “مفهوم الحصر”.
أما الزمان والمكان والعلة فهي ترجع إلى الصفة. قال ابن العربي (تـ543هـ): “إذا قلت الصفة أغناك عن الزمان والمكان والعلة؛ لأنها كلها أوصاف للأعيان”[11].
لذلك سأقتصر على هذه الأنواع الستة في توضيح دلالتها اللغوية والاصطلاحية، وما يرتبط بها من معان وأحكام.
يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى
————————–
1. سبب هذا الاختلاف، أن بعض القيود قد تضم إلى بعضها تحت قيد واحد، وقد يستقل كل منها باسم.
2. “الضروري”، ص: 119.
3. “منتهى الوصول والأمل”، ص: 148، علما أنه في “المختصر” اقتصر على ذكر أربعة فقط: الصفة، والشرط، والغاية، والعدد الخاص. “مختصر المنتهى” (2/173).
4. “مفتاح الوصول”، ص: 81 – 82.
5. “نهاية السول على مرتقى الوصول”، ص: 59، ونص عليها أيضا في مهيع الوصول بقوله: فصل وذا المفهوم في تسع وردا…
6. أخرجه أحمد، (1/11 – 12)، أبو داوود، (2/221)، والبيهقي، (4/86).
7. أبو داود: “كتاب الطهارة، باب الإكسال”، رقم: 215.
8. “تنقيح الفصول في اختصار المحصول”، ص:53. و”تقريب الوصول”، ص: 88.
9. “مفهوم الاستثناء”.
10. “الكوكب الساطع والعقد المنظوم في بيان النفيين باعتبار المنطوق والمفهوم”، محمد بن حمدون بناني، ص: 345.
11. “المحصول في علم الأصول”، (2/205).
-
جزاك الله خيرا على الطرح المميز
مساهمة جد مهمة تغني الموضوع وتحيي ما ندرس منه
ما أحوجننا إلى إعادة النظر في تراثنا فبه نسود حاضرنا ومستقبلنا وبآلياته نجدد علومنا خاصة مع تحقيق المناط نكون قد وضعنا أصبعنا على مكمن الداء
مشكوووووووووووووووور مرة أخرى أستاذي الكريم
التعليقات