تميز العلامة المجدد عبد الله كنون رحمه الله باعتماد حديث نبوي لتفسير أمر الإحياء والتجديد غير حديث مجددي المئين المشهور، وهو ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: “يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين”. [رواه البيهقي عن إبراهيم بن عبد الرحمن، وذكره التبريزي في مشكاة المصابيح، والمتقي الهندي في كنز العمال].

      ولهذا فإنه عرَّف التجديد بأنه ليس المقصود به التغيير في الأمور المحسوسة، ومَثل لذلك بكل وضوح في كتابه “منطلقات إسلامية” على أن الإنسان إذا جدد داره لم يغيرها وإنما صان معالمها وتعهدها. وإذا سكن دارا غيرها يكون غير داره المعهودة. ومعنى ذلك تركها لا تجديدها.. وعلى هذا المنوال يكون التجديد في المعنويات، ومنها الدين إظهاره بالمظهر اللائق، وعرضه على أحسن وجه وذلك بمقتضى المحافظة على جوهره وعدم تغييـر شيء من أوضاعه.

      وقد عبر عن عملية التجديد أبلغ تعبير حينما وصفها بأنها حركة إحياء تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهذا هو السبب الذي جعل عبد الله كنون يتخذ للتجديد منابر إعلامية مثل مجلة “لسان الدين” التي كان يديرها الأستاذ تقي الدين الهلالي رحمه الله، وكذلك “الميثاق”، ثم “الإحياء”.

      ولعل من بين الأشياء المنهجية المعتمدة في أبحاثه التمييز بين المفاهيم الثلاثة المتقاربة والمتداخلة: “الإصلاح” و”التجديد” و”الاجتهـاد”^[1]، ثم الدعوة إلى مراجعة مناهج القرآن بحيث ينبغي التركيز فيها على ثلاثة أمور: أولها المسألة التربوية الخلقية والنفسية التي جاء بها القرآن، وثانيها المحافظة على العقيدة، وثالثها بعث الروح والاعتزاز بالإسلام من جديد..^[2].

      وتجدر الإشارة إلى أن العلامة عبد الله كنون كان ذا منهج واقعي وموضوعي في تناوله لحال الأمة العربية الإسلامية، حيث امتزج فكره وقلمه وعلمه بإحساسه ووجدانه، ويتجلى هذا في وصف بليغ لما آلـت إليه أوضاع أمتنا حين أكد على أن حالة الإسلام اليوم هي أقبح مما كانت عليه في الأندلس، ولكن المسلمين سوف لا يطردون من بلادهم، وإنما الذي يقع، وهو جار بالفعل، أن يطرد المسلمون من حظيرة دينهم، وأن يجردوا من كل ما يميزهم عن غيرهم من شعارات ومظاهر، وأن ينسلخوا من ربقة الإسلام ورابطته شيئا فشيئا حتى لا يبقى بيدهم إلا هذه القوميات الضيقة التي هي إلى التقاطع أدعى منها إلى التواصل، وبذلك يحارب بعضهم بعضا مع الأجانب وبدونهم، وبذلك لا تقوم لهم قائمة بعد، ولا يزالون يسبحون في فكر المستعمر وإن جلا عن أراضيهم^[3].

      ولهذا سعى رحمه الله إلى اعتماد منهج التجديد في فكره من أجل بناء المجتمع الأفضل الذي يأتي من خلال تجديد منطلقاته ومعرفة وسائله، ذلك المنهج الذي غلب فيه جانب الفقه على جانب الأدب، حيث أكد في العديد من أبحاثه على أن الأصول الإسلامية المعتمدة عند أهل العلم لا يمكن تبديلها أو تغييرها.^[4]

      وقد كان أسلوب عبد الله كنون في كل ما ذكرناه يقوم على الدفع بالتي هي أحسن، وبالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالحسنى والرفق، وقد كان يتتبع في دعوته وتبليغه وتقويمه للأوضاع أسلوب الحوار والنقاش المبني على الإقناع العقلي، بالمقارنة والتمثيل بحياة الشعوب، وأحوال الناس كيف كانت عند الأمم الأخرى وكيف يدعو إليها الإسلام. ومستمدا من أحداث التاريخ وحقائقه، معتمدا على المنطق والحجة والإقناع، ميالا إلى التبشير والترغيب والإيجابية والاعتدال، متوخيا الابتكار والتجديد والاستقامة في الفكر والاستدلال، داعيا إلى الرجوع إلى الأصول، وفي مقدمتها الكتاب والسنة، والتفقه والاستنباط منهما لما يستجد في حياتنا من وقائع ومسائل؛ لأن ذلك مظهر حيوية الأمة الإسلامية، وسر تطورها واستمرارها ومواكبتها للتاريخ وللحياة المعاصرة.^[5]

(يتبع)

—————————

   1. أنظر: تجديد الفكر الإسلامي بالمغرب ليوسف الكتاني، ص: 10.

   2. أنظر أحمد الشايب: الدراسات الأدبية في المغرب، ص: 346.

   3. مفاهيم إسلامية. ص: 26.

   4. أنظر على سبيل المثال كتابه: إسلام رائد، ص: 95.

   5. يوسف الكتاني: تجديد الفكر الإسلامي، ص: 15.