مدخل لدراسة المذهب المالكي.. (24)
- ذ. مصطفى بوزغيبة
- باحث بمركز الإمام الجنيد
عمل أهل المدينة
قسم العلماء عمل أهل المدينة إلى مجموعة من الأقسام بغية تسهيل فهمه ودراسته، وبيان حجيته، ولهذا التقسيم مجموعة من الاعتبارات محددة في ما يلي:
الاعتبار الأول: أقسامه من ناحية السند؛
الاعتبار الثاني: أقسامه من ناحية الزمن؛
الاعتبار الثالث: أقسامه من ناحية الاتفاق عليه أو عدمه؛
الاعتبار الرابع: أقسامه من ناحية وجود خبر مقارن له أو عدم ذلك وكون الخبر موافقا للعمل أو غير موافق..
فالاعتبار الأول: ينقسم من ناحية سنده إلى عمل سنده النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويسمى العمل النقلي، وهو يشمل عدة أنواع سواء قول النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله أو تقريره أو تركه، أو تحديد مقادير شرعية أو أماكن معينة. وهذا القسم يعتبر حجة شرعية باتفاق أهل العلم، لأنه بمنزلة السنة النبوية المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم. أما القسم الثاني فهو عمل سنده الاجتهاد ويسمى العمل الاجتهادي، الذي مصدره الاجتهاد وليس النقل، وهذا القسم مختلف فيه فالإمام مالك يرى أنه حجة، بينما ذهب جمهور العلماء إلى خلاف ذلك.
الاعتبار الثاني: فهو بدوره ينقسم من ناحية زمنه إلى قسمين: فالقسم الأول: العمل القديم قبل مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه[1]، وسبب تحديد زمن القديم بهذا الحدث هو أنه لما استشهد عثمان رضي الله عنه ارتحل جل الصحابة من المدينة المنورة، حتى لما عقدت البيعة لعلي كرم الله وجهه ارتحل منها إلى العراق، وهو آخر الخلفاء الراشدين. ويعد هذا القسم حجة عند الإمام مالك لا خلاف فيه، وهو حجة كذلك عند الشافعي الذي يقول: “ما أريدُ إلا نصحك، ما وجدت عليه متقدمي أهل المدينة فلا يدخل قلبك شك أنه الحق“[2]، وكذا ظاهر مذهب أحمد أن ما سنه الخلفاء الراشدون فهو حجة يجب اتباعها، وقال الإمام أحمد: “كل بيعة كانت في المدينة فهي خلافة نبوة، ومعلوم أن بيعة أبي بكر وعمر وعثمان كانت بالمدينة، وكذلك بيعة علي كانت بالمدينة ثم خرج منها، وبعد ذلك لم يعقد بالمدينة بيعة”[3]. وبخصوص القسم الثاني وهو العمل المتأخر؛ إي ما كان بعد عصر الخلفاء الراشدين، وقد اختلف المالكية في حجية هذا القسم على قولين، فقد نقل ابن تيمية قول القاضي عبد الوهاب المالكي في هذه المسألة، أنه ليس حجة عند المحققين من أصحاب مالك، أما القول الثاني فهو أنه حجة يجب إتباعها.
الاعتبار الثالث: ينقسم العمل فيه من ناحية الاتفاق عليه من لدن علماء المدينة وغيرهم وعدم ذلك إلى ثلاثة أقسام. فالقسم الأول: وهو عمل اتفق عليه أهل المدينة، ولا يعلم أن أهل المدينة خالفهم فيه غيرهم، وهو حجة مطلقا. أما القسم الثاني: وهو عمل اتفق عليه أهل المدينة، لكن خالفهم فيه غيرهم، وهو حجة عند الإمام مالك. أما القسم الثالث: وهو عمل اختلف فيه أهل المدينة أنفسهم، وهو حجة كذلك إذا اتفق عليه أكثر أهل المدينة، ولو خالفهم القلة.
أما الاعتبار الرابع: فهو بدوره ينقسم إلى أربعة أقسام: فالقسم الأول: وهو العمل الذي لا يوجد خبر يقارنه، وهذا النوع من العمل حجة عند الإمام مالك. أما القسم الثاني: وهو العمل الذي يكون معه خبر يوافقه ويعضده، وهو حجة عند الإمام مالك. والقسم الثالث: وهو كذلك العمل الذي يكون معه خبر يخالفه، وهنا يقوم الإمام مالك بتقديم العمل على الخبر الذي يخالفه. والقسم الرابع وهو الأخير ينحصر بدوره في العمل الذي يكون معه خبران، أحدهما يوافقه والآخر يخالفه، ففي هذه الحالة يقدم العمل ويعتبره مرجحا..
يتبع في العدد المقبل ..
———————————————————–
1. مجموعة الفتاوى، لابن تيمية، 20/329.
2. آداب الشافعي ومناقبه حديث وفقه، فراسة وطب، تاريخ وأدب، لغة ونسب، للإمام أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، تحقيق: عبد الغني عبد الخلق، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، ط1، 1414هـ/2003م. ص: 150.
أرسل تعليق