في ظلال صاحب الظلال
يعتبر الأستاذ سيد قطب من المفكرين والأدباء الذين أثروا الفكر الإسلامي الحديث بالعديد من المؤلفات والأفكار التي فعلت فعلها الإيجابي في الأفراد والجماعات والمجتمعات، وذلك لفصاحة بيانه وبراعة منطقه ونفاذ بصيرته وصفاء ذوقه ووضاءة أخلاقه وجمال أدبه. وإني أعتقد جازما أن الرجل لم يوف حقه من العناية العلمية بعد.
وهكذا يرى الأستاذ يوسف العظم أن منهج وفكر سيد قطب، رحمه الله، يلاحظون أنه مر بثلاث مراحل:
الأولى: الجانب الفني، وذلك وارد في ما يتعلق بكتابيه: “التصوير الفني” و “مشاهد يوم القيامة”..
الثانية: الجانب الانفعالي والحماسي في الإسلام، وذلك في “معركة الإسلام والرأسمالية” و”السلام العالمي والإسلام”..
الثالثة: الجانب المنهجي، ويتجلى في “الظلال” و “معالم في الطريق” و “الخصائص” و “هذا الدين”..
وهذا يدل على التنوع والتطور الذي اتسم به الإنتاج الفكري لسيد قطب، حتى أن الأستاذ عبد الحميد أبو سليمان شبهه بالإمام ابن تيميه، فكلاهما قمة في التنظير، وجوهر فكرهما معادلة التنظير.. ولو أن ابن تيمية اكتفى بالقرآن دون هذا العمق من ثقافته والتحامه بالمجتمع لما كان مجتهدا.. فكذلك فكر سيد.
وكان أسلوب سيد رحمه الله في الكتابة تغلب عليه العاطفة القوية، مما يجعله ينجح في السيطرة على مشاعر القراء، حتى اعتبره محمد توفيق بركات “أديبا” أكثر منه “مفكرا”.. وقد تأثر في ذلك بأسلوب القرآن الكريم وبلاغته، وذلك بتقريب جواهر القضايا التي يتناولها إل نفوس القراء على اختلاف ثقافاتهم ومستوياتهم العلمية، وإشراكهم في حمل همها وإقناعهم بإيجاد حلول عمليه لجلب المصالح ودفع المفاسد.
ولقد ذهب الأستاذ المهدي فضل الله في دراسته للفكر السياسي والديني لسيد قطب على أنه كان مؤمنا بالأشياء التي يكتبها ويقولها، بل كان يدافع عنها كلما أتيحت له الفرصة لذلك، ويحاول جهد المستطاع إقناع النـاس بها.. وعلى العكس من ذلك كان صعب الإقناع من طرف غيره، حتى أن التحاقه بجماعة “الإخوان المسلمين” بمصر جاءت بناءا على قرار اتخذه بالولايات المتحدة الأمريكية إثر مقتل الشيخ حسن البنا رحمه الله ومحاولة تشويه صورة الحركة.
وقد عانى رحمه الله جراء هذا الاختيار الشيء الكثير، فصبر واحتسب، فكان أن نشر كتابه “معالم في الطريق” الذي عبر فيه عن حال الدعوة الإسلامية أصدق تعبير في البلاد العربية والإسلامية في ظروف القهر والاضطهاد.. هذا الكتاب الذي وصفه حسن حنفي بأنه فاتحة المطاف ونهاية تجربة وحصيلة عمر، بل اعتبره “إنجيل” الجماعات الإسلامية كلها بلا استثناء..!!
أشير في ختام هذه المقالة المقتضبة أنه إذا كان الأستاذ مهدي علام قد عد سيد قطب مفخرة من مفاخر دار العلوم؛ فإن عددا لا يستهان به من الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي تعتبره أحد روادها ومجدديها، وصاحب “المعالم” التي صاروا على منهجها، و “الظلال ” الفيحاء التي استظلوا بها، كيف لا وهو الذي علمهم أن الحركة التي يتولد عنها المجتمع العربي الإسلامي ابتداء هي حركة آنية من خارج النطاق الأرضي، ومن خارج المحيط البشري.. إنها تتمثل في عقيدة آنية من الله للبشر، تنشئ لهم تصورا خاصا للوجود والحياة والتاريخ والقيم والغايات، وتحدد لهم منهجا للعمل يترجم هذا التصور..
أرسل تعليق