سجلماسة المدينة العامرة المردومة.. (18)
1. المنطقة في العصرين القرطاجي والروماني
يعتقد أن “كل الجنوب المغربي بما فيه تافيلالت، ظل خارج هيمنة السلطة الرومانية بالرغم من توفر هذه السلطة على قواعد متقدمة وفي مجالات بعيدة من أجل الحفاظ على العلاقات مع السكان المحليين وتشجيع تجارة محتملة“[1]. وهذا ما يفسر أن تجهيز الحملتين العسكريتين الرومانيتين لما وراء جبال الأطلس ومنطقة كَير أو ما جاورها، كان من باب تأديب القبائل الثائرة. ففي سنة 41 أو 42 ميلادية شنت روما حملة بقيادة الجنرال سويتونيوس باولينوسSuetonius Paulinus لإيقاف ثورات السكان الرحل بالجنوب الشرقي المغربي، “هذه الحملة التي دامت عشرة أيام ووصلت إلى ما وراء جبال الأطلس وحتى وادي كَير”[2].
ومع ذلك لا يستبعد أن تصل هذه الحملة إلى منطقة سجلماسة، خاصة مع انعدام معطيات دقيقة عن المكان الذي انطلقت منه حملة سويتونيوس باولينوس Suetonius Paulinus والجيوش التي قادها والقوات المورية وقائدها والمعارك التي خاضها ضد أعدائه الرحل والمدة التي استغرقتها حملته وحتى النهاية التي كتبت لها. فيما يخص هذا الجانب الأخير، يبدو “أن سويتونيوس باولولينوس فشل في مهمته، ذلك أننا لا نتوفر على أي مصدر يتحدث عن شارات الانتصار التي من الممكن أن يكون الإمبراطور الروماني كلاوديوس قد منحها لسويتونيوس باولينوس بعد عودته من موريتانيا الغربية وأن خلف هذا القائد الروماني واجه مثله نفس الخصوم وفي نفس المناطق”[3].
الخريطة 3: منطقة سجلماسة، الحملة الرومانية
المرجع: مقدون (محمد) وواحيدي (علي): “سويتونيوس باولينوس والحرب الموريطانية الثانية بمنطقة تافيلالت“، جامعة مولاي علي الشريف الخريفية. الدورة الأولى، دجنبر 1989، ص: 369-378.
هذه الحملة الرومانية الأولى ثم الحملة الثانية سنة 43 ميلادية بقيادة هسيدوس جيتا Hesidus Geta واللتين يظهر أنهما دامتا عدة شهور، كان من أهدافهما ضمان الأمن للطرق الرابطة بين المستوطنات الرومانية بموريتانيا الطنجية وموريتانيا القيصرية. كل هذا يوضح إلى أي حد كانت القبائل الرحل صامدة في مقاومتها للاحتلال الروماني وكانت رغبتها الدائمة هي العيش والتنقل بكل حرية وآمان.
من الممكن أن تكون الحملات الرومانية المنظمة قد توقفت بعض الوقت بنفس الموقع الذي شيدت فوقه فيما بعد مدينة سجلماسة. وإذا كان هذا صحيحا، فذلك يؤيد ما ذهب إليه محمد بن الحسن الوزان، اعتمادا على الروايات المحلية بأن الرومان قد شيدوا سجلماسة. قد يكون ذلك ممكنا خاصة إذا أُخذ بعين الاعتبار “أن سجلماسة توجد بمحاذاة الصحراء وتحتل موقعا طبيعيا محصنا وغنيا بالمياه، وهو الموقع الذي ربما اختاره الرومان لإقامة قاعدة أساسية لهم قصد مراقبة المناطق المجاورة بين موريتانيا الغربية وموريتانيا الشرقية وبين التل في الشمال والصحراء في الجنوب“[4]. هذه العمليات الرومانية تركت بعض الإشارات الجغرافية الخاصة بمنطقة الجنوب الشرقي المغربي، إلا أن هذه المعلومات ظلت مبهمة ولا تستطيع أن تقدم حقائق عن تاريخ منطقة سجلماسة. ومن الراجح أن هذه المنطقة لم تخضع للسلطة الرومانية المباشرة وظلت بعيدة إلى حد ما عن أي تأثير حضاري. كما أن المصادر المكتوبة والأبحاث الأثرية لم تقدم لحد الآن أية دلائل واضحة يمكن الاعتماد عليها للبرهنة على وجود أي نوع من العلاقة بين سجلماسة والحضارة الرومانية.
ويبقى أن المنطقة عرفت خلال فترات ما قبل الفتح الإسلامي تطورات حضارية معينة كباقي المناطق المغربية الأخرى، إلا أن هذه التطورات لا تعرف بدقة. ذلك أن المصادر الإغريقية – الرومانية مصادر أجنبية ومعظم مؤلفيها ليست لهم معرفة مباشرة بالمغرب، كما أن الرحالة الرومان والإغريق لم تكن كتاباتهم تميز بين مجال وآخر و”لا نتوفر على مصادر محلية نثبت من خلالها أو ندحض المظاهر والظواهر الموصوفة [وهي أيضا] تنقل إلينا شذرات أو فقرات من مؤلفات أو تقارير ليست بالضرورة إغريقية أو رومانية.. حكم المؤلفون أنفسهم على بعض المصادر القديمة [بأنها] ضربا من الأساطير أو تعج بالمبالغات والأخطاء“[5].
وحاول مؤلف كتاب روايات تأسيس مدينة سجلماسة وغانة، أن يبرر التأثير الأوربي على المدينة، إذ يقول إن سجلماسة ربما كانت قبل تأسيسها “قد مضت عليها قرون وهي تتاجر مع القرطاجيين ومع تجار المقاطعات الرومانية بإفريقيا الشمالية. وربما كانت المسيحية الدوناتية قد دخلت إلى هذه النواحي في هذه الفترة، وحلت محل عبادة الإله الذي يشبه رأسه رأس الكبش، وأعيد بناء المدينة على نمط يقترب من النمط الروماني قليلا أو كثيرا، وربما استمرت تحت احتلال إحدى فرق الجيش الروماني لفترة من الزمان قبل وصول جيش الفتوحات الإسلامية إلى المغرب”[6]..
يتبع في العدد المقبل..
——————————————-
1. Jacques-Meunié (D): Le Maroc Saharien. op-cit. 1° volume (p 170).
2. De la Chapelle (F): «L’expédition de Suetonius Paulinus dans le Sud-Est du Maroc», Hespéris. Tome : XIX, 1939 (p 108 .(
3. مقدون محمد، وواحيدي علي، “سويتونيوس باولينوس والحرب الموريطانية الثانية بمنطقة تافيلالت“، جامعة مولاي علي الشريف الخريفية. الدورة الأولى، دجنبر 1989، ص: 369- 378، ص: 378.
4. Jacques-Meunié (D) : op-cit. 1° volume (p: 170).
5. بلكامل (البيضاوية) وبلفايدة (عبد العزيز)، “الجنوب المغربي في عصوره القديمة من خلال المصادر الإغريقية-الرومانية“، جامعة مولاي علي الشريف الخريفية. الدورة الأولى، دجنبر 1989، ص: 343-،368 ص: 344.
6. ماك كوك، دانييل، المرجع السابق، ص: 47.
أرسل تعليق