زيارة المريض في آداب الإسلام
زيارة المريض موضوع تربوي يلفت النظر في مناسبات تحتم الزيارة، زيارة بعض المرضى من الأقرباء والأصدقاء في المستشفى والعيادة والبيت، وما يرتكبه الزائرون لأهلهم وذويهم من مخالفات أخلاقية واجتماعية مثل إطالة المقام، ورفع الصوت في الكلام، ومصاحبة الأطفال لذلك المقام، وإثارة مواضيع لا سبيل لذكرها في تلك اللحظات والمناسبات، الشيء الذي قد يزيد المريض مرضا، والعلة انتشارا وازديادا.
وحتى تكون عيادة المريض لها تأثير إيجابي وتساهم مساهمة إيجابية في التخفيف من آثار المريض، فيجب على الزائر أن يتبع جملة من الآداب في هذا الموضوع، كان قد نص عليها الشرع الإسلامي.
لذلك، ومن هذا المنطلق التربوي التوجيهي، ولأخذ فكرة ولو مجملة حول هذا النمط من السلوك الإنساني في الإسلام نقول في البداية، إن المرض في الإسلام يكفر عن السيئات، ويمحو الآثام في مثل هذه الأيام، ومن يرد الله تعالى به خيرا يصب من المرض.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: “دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يوعك، فقلت: يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا قال أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم قلت ذلك أن لك أجرين قال أجل ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها” [باب: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، صحيح البخاري].
كما أنه من حكمة المرض هو تدريب صاحبه المؤمن على الصبر، وصفة الصبر ضرورة من ضرورات الحياة، فما أعطى العبد عطاء خيرا وأوسع له من الصبر، وعن صهيب بن سنان أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابه سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابه ضراء صبر فكان خيرا له” [باب: المؤمن أمره كله خير، كتاب الزهد والرقائق، صحيح مسلم].
وحكم عيادة المريض في الإسلام سنة، إذ المطلوب من المسلم أن يعود أخاه المريض، ويتفقد حاله تطييبا لنفسه وإدخال السرور عليه، وتخفيف وطأة الإصابة تخفيفا معنويا ووفاء.
قال ابن عباس رضي الله عنه: “عيادة المريض أول يوم سُنة، وبعد ذلك تطوع”، وقال عليه الصلاة والسلام: “حق المسلم على المسلم ست، قيل ما هي يا رسول الله، قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمِته، وإذا مرض فعُده، وإذا مات فاتبعه” [باب: يسلم الراكب على الماشي والقليل على الكثير، كتاب السلام، رقم الحديث: 2162، صحيح مسلم].
ولهذا السلوك الإسلامي الأخلاقي تأثير إيجابي على صاحبه من ذلك، جلب محبة الناس له ومحبة المجتمع رأسمال في الحياة الدنيا، وكذلك يمكن اعتبار ما قام به من زيارة هو بمثابة الدين الأخلاقي الذي قد يرد له عند الاقتضاء، والحياة كما يقال يوم بيوم، فيوم لك ويوم عليك، وكذلك من فضل عيادة المريض أنها تعتبر في الإسلام طريقا من طريق الجنة، وعن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أنه قال: “من عاد مريضا نادى مناد من السماء طبت وطاب مشياك، وتبوأت من الجنة منزلا” [باب: ما جاء في عيادة المريض، كتاب الجنائز، سنن ابن ماجة، رقم الحديث: 1443].
وبهذا السلوك أيضا يكسب المومن رضاء ربه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلان مرض فلم تعده، أما علمت أنك لوعدته لوجدتني عنده” [باب: فضل عيادة المريض، كتاب البر والصلة والآداب، رقم الحديث: 43، صحيح مسلم].
والزيارة تكون بالهدوء والسكينة والوداعة ولين الكلام وأطيبه، وكل ما من شأنه أن يخفف الألم، ويشرح صدر المريض، ويخلق جو التفاؤل والاستبشار مع عدم الإطالة في المكوث من غير داع ولا سبب يستوجب ذلك، وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة، والحمد لله الذي أطعم من الطعام وسقى من الشراب، وكسا من العري وهدى من الضلالة، وبصر من العمى، وفضل على كثير من خلقه تفضيلا، والحمد لله رب العالمين” [باب: الحياء، كتاب الرقائق، رقم الحديث: 951، صحيح ابن حبان].
ومما ينبغي للمريض أن يدعو به أولا، أن يضع يده على موضع الألم ثم يقول: بسم الله ثلاث مرات، ثم يقول: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر، ثم بعد الانتهاء من زيارة المريض يقول الزائر: لا بأس طهور إن شاء الله، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا يا أرحم الراحمين يا رب العالمين.
جريدة الميثاق، العدد 884، الخميس 19 جمادى الثانية 1420هـ الموافق 30 شتنبر 1999م، السنة الثانية والثلاثون.
أرسل تعليق