“ربما استحيى العارف أن يرفع حاجته إلى مولاه، اكتفاء بمشيئته، فكيف لا يستحيي أن يرفعها إلى خليقته”
في هذه الحكمة المباركة يجلي الشيخ بن عطاء الله رضي الله عنه مَعْلما أساسا من معالم التوحيد الخالص، وهو حسن التوكّل على الله وعدم التشوف إلى ما عند الناس، وهو قول الله عز وجل: “ولا تمدَّنَّ عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه، وَرِزق ربك خير وأبقى. وَامر اَهلك بالصلاة وَاصطبر عليها، لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتَّقوى” [سورة طه، الآيتان: 131-132].
وقول الشيخ رضي الله عنه “ربما استحيى العارف أن يرفع حاجته إلى مولاه اكتفاء بمشيئته” يقصد به أن ثقة العارف بحكمة الله، ولطفه وودّه للذين آمنوا، يثمر عنده الحياء من الله سبحانه أن يسأله ما هو أعلم به، كما يثمر عنده الحياء من أن يسأله عز وجل، ما يعلم سبحانه أنه بخلاف الأَولى لعبده، واستعمال الشيخ رضي الله عنه لكلمة “ربما” دال على التردد الذي قد ينتاب بهذا الصدد العارف، من جراء علمه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من لا يسأل الله يغضب عليه” [مسند أبي يعلى الموصلي، رقم الحديث: 6619].
وقول الشيخ رضي الله عنه “فكيف لا يستحيي أن يرفعها إلى خليقته؟” مفاده أن العارف إذا حجزه عن رفع حاجته إلى العلي القدير، ثقته به سبحانه، وبحكمته، ومعرفته بلطفه وودّه، ويقينه بأن الله عز وجل هو الأعلم بما يصلح شأنه حالا ومآلا، وخوفه من إساءة الأدب في جنب الباري جل وعلا، بسؤاله ما قد يكون بمثابة الاستعجال، فكيف لا يحجزه كل ذلك، عن رفع حاجته إلى الخليقة، فاستحياؤه من رفع حاجته إليهم، أجدر وأولى، من الاستحياء من رفع حاجته إليه تعالى.
والله المستعان
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
أرسل تعليق