دعوة القرآن الكريم إلى العلم
إن أول آية نزلت على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، في ليلة مباركة من شهر المعظم سنة 610 م، كانت هي قول الله تبارك وتعالى: “اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الاِِنسان من علق اقرأ وربك الاَكرم الذي علم بالقلم علم الاِِنسان ما لم يعلم” [سورة العلق، الآيات: من 1 إلى 5]. وجاء هذا القرآن الكريم يدعو إلى دين جديد يقضي على الجهل والوثنية والإلحاد والإشراك، في هذه الآية الأولى من القرآن العظيم أمر صريح للنبي صلى الله عليه وسلم، كي يقرأ وهو الذي لا يعرف القراءة والكتابة من قبل، وتطلبه التعلم بالقلم وهو الذي وجد في وسط لا تربطه بالعلم والتعلم أية صلة؛ إنه الإسلام دين العلم والتعلم والنهضة والتطور والقيم والمثل.
لقد تكرر لفظ العلم في القرآن الكريم ما يزيد على سبعمائة مرة، وحث على النظر فيما يتعلم ويستفيد منه الإنسان في غير آية كقوله جل شأنه: “قل سيروا في الاَرض فانظروا كيف بدأ الخلق” [سورة العنكبوت، جزء من الآية: 20]. والعلم الحديث يؤكد أن القرآن الكريم كتاب بقدر ما دعا إلى الدين دعا كذلك إلى العلم، ودراسة مختلف العلوم، والدليل على ذلك أن عدد الآيات العلمية في القرآن الكريم تصل إلى 750 آية، وعلى سبيل المثال، اقرأ معنى قوله تعالى: “والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لاَ الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولاَ اليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون” [سورة يس، الآيات: 38-39-40]. وهذه أكبر حقيقة في علم الفلك، ولكل كوكب فلك خاص به ونظام معين يخضع له، فتبارك الله أحسن الخالقين.
وفي علم الطبيعة نجد الآية الكريمة تقول: “أولم ير الذين كفروا أن السماوات والاَرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي اَفلا يومنون” [سورة الانبياء، الآية:30]. وفي هذه الآية تتجلى أهم نظرية في خلق الكون.
وفي علم الجغرافية يقول الله سبحانه وتعالى: “وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه ومآ أنتم له بخازنين” [سورة الحجر، الآية: 22]. وقد تأتى للعلم الحديث أن يصل إلى معرفة أن الرياح تحمل السحب ذات الشحنات الكهربائية المختلفة، فتتصل مع بعضها أو ترتبط بعامل تيارات الأرض وجاذبيتها، وتكون النتيجة برق ورعد ومطر.
وفي علم النبات يقول الله تعالى: “وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا تخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من اَعناب والزيتون والرومان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذآ أثمر وينعه إن في ذالكم ءلاَيات لقوم يومنون” [سورة الانعام، الآية: 99].
وفي علم الحيوان تقول الآية الكريمة: “اَفلا ينظرون إلى الاِبل كيف خلقت” [سورة الغاشية، الآية: 17].
وفي علم التاريخ الطبيعي قال تعالى: “وما من دآبة في الاَرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم اَمثالكم” [سورة الانعام، جزء من الآية: 38].
وفي علم الكيمياء قال سبحانه: “وإن لكم في الاَنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين” [سورة النحل، الآية: 66]. وقوله تعالى: “ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغآء مرضات الله وتثبيتا من اَنفسكم كمثل حبة بربوة اَصابها وابل فطل والله بما تعملون بصير” [سورة البقرة، الآية: 265].
وفي علم الأجنة قال سبحانه وتعالى: “يخلقكم في بطون امهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلث” [سورة الزمر، جزء من الآية: 6].
وفي علم الصحة “وكلوا واشربوا ولاَتسرفوا إنه لاَ يحب المسرفين” [سورة الاعراف، جزء من الآية:31]. ولعل في هذه الآية الكريمة أهم نصيحة يومن بها علم الصحة الغذائية في العصر الحاضر.
وفي خلق الإنسان قال عز وجل: “ولقد خلقنا الاِنسان من سللة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا اَلنطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما” [سورة المومنون، الآيتان: 12-13]. ومعلوم أن هذا هو نفس ما قررته أحداث النظريات العلمية في تطور خلق الإنسان.
وفي الطب الوقائي نجد قوله تعالى: “حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير” [سورة المائدة، جزء من الآية: 3]. والعلم الحديث يؤكد أن هذه الأنواع تصيب الإنسان بإصابات مميتة.
ومن علم ما وراء الطبيعة تأتي حقيقة علمية واضحة في الآية الكريمة التي يقول فيها سبحانه وتعالى: “الله يتوفى الاَنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها” [سورة الزمر، جزء من الآية: 42].
وفي علم الإشعاع الذري يقول الله تعالى فيه: “فارتقب يوم تاتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب اَليم” [سورة الزخرف، الآيتان: 10-11]. ويؤكد قوله تعالى: “اِنا كاشفوا العذاب قليلا اِنكم عائدون يوم نبطش البطشة الكبرى انا منتقمون” [سورة الدخان، الآية: 15].
وفي علم الفضاء الذي يتطور بسرعة نرى أن القرآن الكريم يسبق مختلف المحاولات العلمية الخارقة، حيث يقول الله تعالى: “يا معشر الجن والاِنس إن استطعتم أن تنفذوا من اَقطار السماوات والاَرض فانفذوا لاَ تنفذون إلا بسلطان” [سورة الرحمان، الآية: 33]. وتوفر السلطان كقوة عظمى وعلم واسع هو الشرط، الذي بدونه لا يمكن تحقيق المسعى والمطمح.
وبعد؛ فإن القرآن يدعو المسلمين إلى العلم، واستخدام العقول كي تفكر وتبحث لضمان التطور المنشود والنهضة الرفيعة، ولعل أكبر عبادة في الحياة الدنيا، هي العلم والعمل، فهما يضمنان الفوز للإنسان، ويجعلانه أهلا للقدر العظيم، والمكانة السامية.
ذ. المرحوم الحاج الطيب السراج
الهيئة العلمية بفاس
جريدة الميثاق، العدد 101، الخميس 15 رمضان 1389هـ الموافق 26 نونبر 1969م، السنة السابعة.
أرسل تعليق