خصائص الممارسة الصوفية بالمغرب الطريقة الجزولية أنموذجا… (1)
- ذ. مصطفى بوزغيبة
- باحث بمركز الإمام الجنيد
التصوف ثابت من ثوابت الهوية الدينية المغربية بجانب المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية وإمارة المومنين، وقد درج علماؤنا رحمهم الله على التشبث بهذه الركائز وتحصينها في وجدان المغاربة على مر العصور. واختيار المغاربة للمسلك الجنيدي لم يكن اعتباطا ولا تقليدا، وإنما كان عن محض تدقيق وتمحيص ولما هو ملائم، والاتجاه العام السائد في المغرب، وهو: الاهتمام بالجانب العملي للتصوف، أي التخلق بالأخلاق الفاضلة والتدرج في مقامات السلوك للوصول إلى ملك الملوك.
وجميع الطرق الصوفية منسجمة مع هذا التوجه العام وبخاصة الطريقة الجزولية لمؤسسها محمد بن سليمان الجزولي مجدد الطريقة الشاذلية ومحييها حيث أعاد تنظيمها ونشرها بالمغرب على أسس سنية متينة.
وفي هذا المقال سنسلط الضوء على خصائص ومميزات الممارسة الصوفية بالمغرب وبالتحديد الطريقة الجزولية.
الخاصية التكاملية
إن الباحث في تاريخ التصوف بالمغرب يتضح له بكل جلاء بأن الصوفية يتميزون بالوسطية والاعتدال، والجمع بين مكونات الإنسان المادية والروحية، بل كل ذلك منضبط عندهم انضباطا تاما لا إفراط فيه ولا تفريط، حيث جمعوا بين التصوف والتفقه وبين المجاهدة والجهاد.
1. الجمع بين التصوف والتفقه
عمل السادة الصوفية على الجمع بين العمل الأخلاقي أو الممارسة السلوكية الصوفية والفقه، في إطار وحدة متكاملة لا يمكن الفصل بينها وتجزيئها، فالفقه عندهم مفهوم شامل يشمل الأحكام التكليفية العملية والأحكام التكليفية القلبية. إلى درجة أن “التصوف المغربي إلى جانب الفقه المالكي كان له الأثر الفعال في توجيه كل الأفكار والسياسات التي جرت في بلادنا، فالفقه والتصوف عنصران أساسيان في تكييف المجتمع المغربي وتسييره“[1].
فلا تكاد تجد عالما يشتغل بالفقه أو الحديث… إلا وله نصيب من التصوف، ولا تكاد تدخل زاوية من الزوايا المغربية إلا وفيها جناح خاص للتعليم والتدريس.
والطريقة الجزولية في شخص شيخها محمد بن سليمان الجزولي، أول ما نشئ عليه هو: تعلم العلم “فكان بفاس بمدرسة الصفارين بها، وبيته بها مشهور معروف“[2].
وكان رحمه الله من الأعلام في المذهب المالكي، فقد ذكر صاحب كفاية المحتاج عن الجزولي أنه كان يحفظ فرعي ابن الحاجب، وقال غيره: إنه كان يحفظ المدونة، ووصفه التنبكتي في نيل الابتهاج بالعلم والولاية[3].
ومن كلام الجزولي رحمه الله في أهمية تعلم العلم وبخاصة العلم الشرعي المقرون بالعمل: “العلم دواء والجهل داء، العلم ولاية والجهل عداوة، العلم صفة المومنين والجهل صفة الكافرين“[4].
كما أن طريقته مبنية على التمسك بالكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة والعمل بهما ظاهرا وباطنا، وكثيرا ما حث مريديه على ذلك، يقول رحمه الله: “قيل لي: قل للمريدين يتأدبوا بآداب السنة“[5].
شهد له العامة والخاصة بصلابة دينه وإيمانه لا يخاف في الله لومة لائم، يقول صاحب الإعلام: “وكان واقفا على حدود الله، عاملا بكتاب الله، محافظا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كثير الأوراد“[6].
يتبع في العدد المقبل..
———————————————–
1. التصوف الإسلامي في المغرب، علال الفاسي، إعداد عبد الرحمن بن العربي الحريشي، مطبعة الرسالة، الرباط، بدون ط، ت، ص: 21.
2. الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، العباس بن إبراهيم السملالي المراكشي، راجعه عبد الوهاب بن منصور، المطبعة الملكية، الرباط، ط2، 1420هـ/1999م، 5/49.
3. نيل الإبتهاج، 2/229.
4. الإعلام، 5/72.
5. المصدر السابق نفسه، 5/71.
6. المصدر السابق نفسه، 5/84.
أرسل تعليق