حين يعشق الفكر الحرية
إن المتأمل في كتابات العلامة علال الفاسي -انطلاقا من كتابه “الحرية” وانتهاء بمؤلفه “دفاع عن الشريعة”- يلاحظ أنه كان رجلا مؤمنا وصادقا، ذا عقيدة راسخة جهر بها حين عز الجهر بصوت الإسلام في بلاد الإسلام، ورفع صوته عاليا بالحق حين خفتت الأصوات رغبا ورهبا..
لقد أسدى رحمه الله للأمة الإسلامية أعمالا جليلة، فنبهها إلى أن الفكر والنظر هما المصباح الذي يجب أن تحمله في سيرها وتوجهها، فتمضي قدما مستنيرة بعقلها الذي لا تقيده أسباب القلق المعاصرة، فتدرس كل ما في الغرب وتقتبس ما هو صالح لانبعاثها، ثم تقوم بالدراسة الشاملة لحالة المجتمع الإسلامي المليء بالخرافات، وتدعو الشعب لأن يعيد النظر فيها، فيقف منها موقف الدارس الممحص الذي يراعي كل العوامل عند محاولة الدراسة العميقة للحالة الاجتماعية.
ولهذا وجه الأستاذ علال الفاسي الفكر الإسلامي المعاصر نحو إصلاح أحوال الأمة وتحريرها من عبث الخرافات والأوهام، وإنقاذها من كثير من التقاليد البالية التي تمنعها عن التقدم والرقي، وتحول بين عقلها وبين التفتح لأسرار الكون ومعالم الإيمان، وتمنعها عن تغيير ذهنيتها التي تكونت تدريجيا في عهد الانحطاط الأخير..
ولم يقف توجيهه عند الحد النظري، بل دعا إلى الممارسة العلمية لهذا التوجيه، وذلك بالتركيز على أداة الاجتهاد التي هي صالحة لتطوير الفكر الإسلامي، واستنباط الأحكام سواء من الكتاب أو السنة أو من غيرهما، معللا ذلك بأن الله أراد أن يشركنا في حقه التشريعي فيما لم يرد علينا في خطابه نص خاص به مما يستجد من الأشياء، وهو في طبيعته المظهر القانوني للشورى الإسلامية في شكلها الأولي.
ومن الأشياء التي تميز نظر العلامة علال الفاسي للاجتهاد والمجتهد اقتران مصطلح “حرية” بمصطلح “الاجتهاد” في أغلب آرائه وكتاباته، وتبرير ذلك واضح في نظريته الفلسفية “للحرية” التي عشقها وآمن بها إيمانا جعله يوزع نفحاتها على كافة أرجاء الجوانب المعرفية التي اهتم بها في حياته، حتى أضحى أحد رواد التجديد فيها والداعين إلى إحيائها، وإن شئنا قلنا إنه “مجدد مفهوم الحرية” في كافة أشكالها وصورها، وكيف لا يكون كذلك وهو القائل: إن حياة بغير حرية لهي الموت المحض، وإن وجودا من غير فكر حر لهو العدم، وإن مدنية لا تقوم على التحرر والتبصر لهي الوحشية ولو كانت في أحدث طراز.
إن أستاذ الأجيال عشق الحرية وأدرك تمام الإدراك أثرها القوي والفعال في تقدم الشعوب ورقيها، وجعلها هي الوسيلة والهدف في آن واحد، إذ لا يمكن المراهنة على أحدهما دون الآخر.
لقد أحسن الأستاذ عبد الوهاب بن منصور، الذي خبر معدن علال الفاسي، فوصفه بأنه “ظاهرة فذة”، تدل حين تظهر على تواصل العبقرية في أمتنا وتوالي النبوغ، وتوحي بأن فضل الله عز وجل على أوطاننا موصول غير مقطوع، فهو من جهابذة العلماء وعباقرة الأدباء ونبغاء المفكرين وكبار المناضلين الذين استرخصوا في سبيل المثل العليا الغالي والنفيس، فطبقت شهرتهم العلمية الآفاق.
أرسل تعليق