Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

جهود الصوفية المغاربة في مقاومة الغزو الأجنبي

قام الصوفية على مر التاريخ المغربي بالنهوض لمجابهة العدو، ودافعوا عن الوحدة الترابية، وذلك بتزعم الجهاد واستنفار مريديهم وجميع شرائح المجتمع للدفاع عن أراضيهم، وضمان كراماتهم، ومن أمثال هؤلاء المجاهدين.

1. مولاي علي الشريف السجلماسي

لم تذكر لنا المصادر التاريخية شيئا عن جهاد مولاي علي الشريف سوى النزر القليل، وبعض النتف المتناثرة هنا وهناك، وبعض الرسائل والأشعار التي أشارت بشكل مقتضب إلى الملامح الجهادية لهذا البطل الفذ، في مرحلة دقيقة مر بها المغرب وهي مرحلة تدهور الدولة المرينية وما صاحبها من ضعف الجيش النظامي، وعجزه عن الدفاع عن الثغور المغربية، أمام الطمع الأوروبي المتزايد.

وفي ما يلي نبذة من جهاده.

أ‌. جهاده في طنجة

شارك مولاي علي الشريف في معركة طنجة ضد زحف البرتغاليين، فأبلى بلاء حسنا وقاتل قتالا شديدا هو وأتباعه ومريدوه، فظفروا بالنصر المبين، والعز المكين، وسبب هذه المعركة أنه في (سنة 841هـ) أصابت البرتغاليين نخوة العز والطمع في الاستيلاء على طنجة تمهيدا لاستعمار المغرب بأكمله، بعد سقوط سبتة في أيديهم، فركبوا في ستة آلاف عسكري ونزلوا سبتة ومنها زحفوا في اتجاه طنجة، وحاصروها وضيَّقوا على أهلها، فاستنجدوا بمولاي علي الشريف فكان خير مجيب، فوقعوا بهم شر وقيعة، وتم إلقاء القبض على قائدهم العسكري فرناندو، وجماعة من أصحابه واقتيدوا إلى سجن فاس، فكان نصرا مظفرا وفتحا معزرا، وقاصمة للبرتغاليين، فتعاقد الفريقان على الانسحاب الكامل من سبتة مقابل فك أسر قائدهم العسكري، ولكن من سوء الحظ أعجلت المنية قائدهم في فاس، وألغي الاتفاق[1].

وانهالت على مولاي علي الشريف صنوف التهاني والبشارات بالنصر، وكَتب في ذلك أبو فارس بن أبي الربيع قصيدة اقتطفنا منها محل الشاهد وهي[2]:

أبا الحسن المولى الشريــف الـــــذي بـه          على الغرب شمس النصر أشرق بالصحـرا

ولاحــــت بآفـــاق القلــوب عـــجــــــائـب          بها سلب الألــباب تحســــبهــا ســــحـرا

هو الصقر مهمــا اهتـــــز كـــــل مجلـجـل          هـــزبر إذا ما انشـــــب النـاب والظـــــفـرا

هو الغـــــوث إن دارت رحى الحرب واللــقا          وغيث إذا ما المزن مــا أمطــــرت قـــــطرا

أغار على الأعـــلاج فــــاجتـاح جمــعـهـم          وجدَّلـــهم قتـــــلا وشــــــردهــم أســـرا

بطنجة قد طـــــاب المـــــمات لـــــزمـــرة          بنصرتها ترجوا مـــــن الملــــك الأجـــــــرا

أليس الذي لبـــــى نــــداء أهل طنـــــجة          وجمع أهل الــــغرب من حيـــنه طــــــــرا

وأوقــــــــع بالكــــــــفــار أي وقـــــيعــــة          فمن لم يمت بالســــيف مــــات بها ذعرا

وأصبـح ثغـــر الدين أشنــــب بــــاسمــــا          وأرهق وجه الــــكفر من حــــــــــزن قتـرا

ب‌. جهاده في الأندلس

وكان مولاي علي الشريف معتمد أهل الأندلس، ومُغيثهم في الدفاع عن بيضة الإسلام، حيث يستنجد أهل المغرب قاطبة، وتفد عليه الوفود من كل صقع من وادي نول إلى أطراف السودان إلى الساقية الحمراء فيسرحهم لطنجة، ويمر منها مجتازا إلى الأندلس[3]، ومكث رحمه الله في الأندلس أزيد من عشرين سنة برسم الجهاد، فأمَّره أهلها على أنفسهم ليقود المعارك، ويخوض سلسلة الحروب المتكررة، والتي قدر عددها نحوا من ثمانية وعشرين معركة ضد أعداء الله، وكان كلما انتهت المعركة خلع نفسه من الإمارة زهدا وورعا، رغم رغبة الأندلسيين أن يملكوه عليهم ويبايعوه على السمع والطاعة والنصرة[4].

وقد حلاه أهل الأندلس في بعض رسائلهم إليه بما نصه: “إلى الهمام الضرغام، قطب دائرة فرسان الإسلام، الشجاع المقدام الهصور الفاتك، الوقور الناسك، طليعة جيش الجهاد، وعين أعيان الإنجاد، المؤيد بالفتح في هذه البلاد، المسارع إلى مرضاة رب العباد، مولانا أبي الحسن علي الشريف”[5]، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على القدر الكبير من الشجاعة والقوة التي تتميز بها شخصية مولاي علي الشريف، ومدى قوة نفوذه وسلطانه الروحي، ولم يكن همه طلب الإمارة ولا الملك، وإنما هدفه الوحيد هو تخليص الأمة من كيد الأعداء وهجماتهم المتكررة.

ت. جهاده في إفريقيا

احتلت إفريقيا اهتمام العديد من المسلمين ابتداء من فتح المغرب لما لها من أهمية اقتصادية، فهي مركز تجاري بامتياز، منها يتم جلب السلع والمعادن النفيسة.. ومكانا مفضلا لنشر الدعوة الإسلامية، وكان للصوفية الفضل الكبير في نشر الدين الحنيف في تلك البقاع، حيث كان لهم بعد النظر حول مستقبل تخوم إفريقيا، وهو الأمر الذي فطن إليه الأوروبيون إبان النهضة فاحتكروا التجارة، وبعثوا البعثات التبشيرية لاستئصال الروابط بين الشمال والجنوب، وحولوا مسار التجارة عبر البحر، وكانت لهذا الأمر تداعيات كبيرة على المغرب حيث أفقدته عصب الحياة، وشلت قدراته الحيوية، وجعلته يتخبط في أزمات اقتصادية خانقة، مما عجل في سقوطه تحت تبعية الأوروبيين بعدما كانوا تبعا للمغرب.

ونظرا لهذه الأهمية التي تحتلها إفريقيا كما أسلفنا، عمل مولاي علي الشريف على دعوة الناس إلى الإسلام والتمسك بشرائعه وهديه، ومن أبى جرَّ عليه السيف حتى يذعن له، ومن إنجازاته رحمه الله، فتح بلدة “أكدج” وهي بلدة من بلاد السودان[6].

وبهذا يُعلم أن مولاي علي الشريف من الأعلام المجاهدين، الذين حملوا راية الجهاد واستنفار الناس إليه، فمنهجه قائم على الجمع بين الجهاد والمجاهدة، كما كان عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم جميعا.

يتبع في العدد المقبل..

———————————-

1. ينظر: الاستقصا، 4/295.

2. الدرر البهية والجواهر النبوية، 1/136.

3. الدرر البهية والجواهر النبوية، 1/120.

4. ينظر: الاستقصا، 6/17. وينظر كذلك الدرر البهية والجواهر النبوية، 1/117.

5. الاستقصا، 6/17، والدرر البهية والجواهر النبوية، 1/121، والأنوار الحسنية في نسبة من بسجلماسة من الأشراف المحمدية، أحمد بن عبد العزيز العلوي، ص: 32.

6. ينظر الاستقصا، 6/20، وينظر كذلك الدرر البهية والجواهر النبوية، 1/120.

أرسل تعليق