تعظيم شعيرة الحج وما بعده
إن الحج شعيرة من شعائر الإسلام المفروضة مرة في العمر، وينبغي فهم لماذا فرضت مرة واحدة في العمر؟، ولماذا فرضت على المستطيع الذي يجد المال والزاد والراحلة، ويجد كذلك الأمن، أمن الطريق وأمن النفس، في الذهاب والإياب؟.. قال الله تعالى: “ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ”. [سورة الحج، الآية:32].
إن فرض الحج مرة واحدة مع الاستطاعة يدل فيما يدل عليه، على الاستعداد التام المطلوب فيمن يريد أداءه، فهو يتطلب الاستطاعة المادية والمعنوية، وهذه الاستطاعة مكلفة في حد ذاتها، ومن ثم ينبغي التثبت من التهيئة لأداء هذه الفريضة، والتفقه في مناسكها، والحرص على تعلمها، حتى لا يذهب الإنسان إلى الحج على غير استعداد، وعلى غير تفقه وتعلم، فيؤدي المناسك على غير وجهها المطلوب، ويعبث بالشعائر، فيتعب نفسه، ويضيع ماله، ثم يرجع بعد ذلك بخفي حنين. فلماذا يغامر الكثير من الناس في الذهاب إلى الحج، وهم غير مؤهلين لأداء مناسكه كما أوصى بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال في حجته: “خذوا عني مناسككم”[1]؟ ألم يكن من الأجدر بهم أن يتعلموا دينهم، ويفقهوا المناسك قبل الإقدام على الحج؟.
وإذا كان الهدف هو أداء الحج؛ فإن أداءه يحتاج ـ بالإضافة إلى الاستطاعة المادية والمعنويةـ إلى التفقه والتعلم. ولذلك، واهتماما بشعيرة الحج، ومن أجل الاستعداد الجيد لأداء المناسك، بادرت بعض البلدان الإسلامية إلى إحداث مدارس خاصة بالحج رهن إشارة مواطنيها، يدخلونها من أجل تعلم هذه الفريضة، ويقضون فيها المدة التي تخولهم شهادة التأهيل للقيام بفريضة الحج. وإذا لم يتأهل الحاج أو الحاجة لأداء فريضة الحج لا تمنح له فرصة الحج ولا يسمح له بأداء الفريضة حتى يتعلم ويتأهل لأدائها.
ومثل هذا الصنيع يدل على احترام الشعائر وتعظيمها وتقديرها، فهي ليست مجالا للتلاعب ولا للإهمال، كما يحلو للبعض أن يتعامل معها لاكتساب السمعة والألقاب. وقد يتميز الحجاج الذين جاءوا لأداء الفريضة عن علم واستعداد، من الذين جاءوا لأدائها من غير ذلك في موسم الحج، حيث تجد الصنف الأول في حالة من الانضباط والأخلاق والسلوك الحسن، وتجد الصنف الآخر في قمة الفوضى والإزعاج والخلق الذميم، إلا من رحم الله، وقليل ما هم..
إن الحجاج سفراء بلدانهم في مكة والمدينة، وكل سفير يعكس درجة الوعي التي يتمتع بها في بلده الذي جاء منه، كما يعكس درجة التنظيم والنظافة والالتزام بالآداب الإنسانية المفروض توافرها في بني البشر، كما يعكس أولا وأخيرا درجة التحضر الذي وصله نظام بلده.. وكل إناء ينضح بما فيه.. إن الفرق كبير وشاسع بين حاج لا يعرف للصبر طعما، ولا للانضباط شكلا، ولا للاحترام ذوقا، وبين حاج تربى على سلوك التربية الخلقية، من التزام بالآداب الإنسانية، واحترام للآخرين، وتحمل للأعراف المخالفة، والتماس الأعذار، من صفح وعفو وترفع عن الدنايا والصغائر..
وما دام الحج عبارة عن سفر؛ فإن السفر يسفر عن الآداب الحقيقية وعن الأخلاق الحقيقية للإنسان، فكم من الناس لا يعرف على حقيقته إلا في السفر، حيث يمتحن في سلوكه، فيتبين أمره، ويكشف أصله، فيعز أو يهان حسب حقيقة أمره. وقد جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه السفر مقياسا لمعرفة الرجال المعرفة الحقة، وهو الذي شهد رجل في حضرته بشهادة في حق رجل آخر، فقال له: “لست أعرفك ولا يضرك أن لا أعرفك، إيت ببمن يعرفك. فقال رجل: من القوم: أنا أعرفه، قال: بأي شيء تعرفه. قال: بالعدالة والفضل. فقال: فهو جارك الأدنى الذي تعرفه ليله ونهاره، ومدخله ومخرجه. قال: لا، قال: فمعاملك بالدينار والدرهم اللذين بهما يستدل على الورع. قال: لا، قال: فرفيقك في السفر الذي يستدل على مكارم الأخلاق. قال: لا، قال: لست تعرفه. ثم قال لرجل: ائت بمن يعرفك”.[2]
فالسفر هو المحك الذي يسفر عن أخلاق الرجال، ويكشف عن خبايا النفوس، ويظهر المرء على حقيقة معدنه التي قد يخفي باطنها ويبدي ظاهرها في غير السفر. ومهما حاول هذا المرء أن يغطي العيوب التي بداخله، ومهما حاول أن يتستر على النقائص، فإن السفر مظنة الكشف والإسفار عن الحقائق التي لا تظهر إلا من خلال الاحتكاك والمخالطة؛ لأن التعامل بين السفر أي المسافرين يكون أكثر قربا، وألصق بطباع النفوس، فيكتشف منها مالا يكتشف في الحضر وفي مواطن الراحة والاستقرار. وعندها يتبين الصبور من الضيق الحرِج، ويتميز العاقل اللبيب من النزق السفيه.
كم من الناس تراهم مشغولين بتعبئة زادهم من المال والمتاع، وزادهم من الصبر قليل.. وكم من الناس يفكر في حمل ما يحتاجه من اللباس على كثرة الأشكال، وزاده من لباس التقوى قليل وزهيد.. والله تعالى يقول: “وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى” [سورة البقرة، الآية:197]، ويقول جل وعلا: “وَلِباسَ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ” [سورة الاَعراف، الآية:26].
ومن التصرفات الغريبة لبعض الناس التي تنم عن الاستهتار بالشعائر، وعدم تعظيم الحرمات، ما يدعيه بعضهم أنه لا يزال في شغله أو وفي وظيفته إلى آخر يوم من موعد سفره إلى الحج، فينتقل من مكتبه أو من عمله إلى الطائرة. وهذا سلوك يدل على عدم الاهتمام بشعيرة الحج منذ البداية، وأنها لا تستحق عنده من العناية ما يدفعه إلى تخصيص الوقت المناسب لها، من حيث التفقه والتهيئة، وإنما هي عابرة عبر مشاغله، وستمر ضمن هذه المشاغل التي تستأثر باهتمامه، والله أعلم كم سيكون نصيبها من هذا الاهتمام، وكم نسبته من بين سائر الاهتمامات. أما الحديث عن تصنيفها ضمن الأولويات فهذا لا مجال له؛ لأنها ليست من الأولويات عنده، وإنما هي أمر عابر، سيخلص منه بمجرد عودته من الديار المقدسة، ولربما تركها هناك وراء ظهره، ورجع من غير أجر، إن لم يكن قد رجع بوزر.
هكذا يبدو حظ دين الله عند أمثال هؤلاء الناس، ذلك مبلغهم منه، وقد جعلوا الدنيا أكبر همهم ومبلغ علمهم، ودين الله آخر ما يفكرون فيه، فهم في غفلتهم غارقون، وفي دنياهم منهمكون، والآخرة ليست خيرا عندهم من الأولى، بل العكس هو الصحيح عندهم. فمتى يستفيق هؤلاء من سكرتهم؟ هل ينتظرون الدجال؟، فهو شر غائب ينتظر، والموت أدهى وأمر!؟..
إن الحج يحتاج إلى الاستعداد من أجل أداء مناسكه، وذلك بتقديم التوبة من الذنوب والمعاصي، ورد المظالم إن كانت للحاج مظالم، فلا يليق بالحاج أن يقدم على الله -عز وجل- وهو متلطخُ بالذنوب والمخالفات والخطايا.. لا يليق به أن يأتي إلى بيت الله – عز وجل – وهو غارق في أوحال المعاصي والشهوات والنزوات الآثمة.. لا يليق بالحاج أن يرفع يديه في سماء البقاع المطهرة، وقد خلف وراءه كثرة المظالم، من هضم الحقوق والجور على أهلها، والبغي بغير الحق..
إنه ينبغي للحاج أن يكون صادقاً مع نفسه ومع ربه، وأن يقوده هذا الصدق إلى إعلان التوبة الصادقة من جميع الذنوب والخطايا والمعاصي، قبل أن يقدم على الحج. ثم يتوجه بعد ذلك إلى الله عز وجل بأن ييسر له الحج، وأن يعينه على الحج المبرور الذي يمحو الخطايا، ويعود صاحبه منه كيوم ولدته أمه، نقيا طاهرا تقيا..
ينبغي للحاج أن يطهر نفسه وقلبه، وهذا هو الاستعداد الحقيقي لأداء المناسك، وأن يشعر بأنه يريد أن يتخلص من سلبيات الماضي وخطاياه، ويبدأ صفحة جديدة، يقبل فيها على الله بالتوبة النصوح، وبالرجوع نادما على ما فات من إهدار العمر في غير طاعة الله تعالى. ولا يمكن لأحد أن يبدأ صفحة جديدة من عمره، حتى يكون قد عزم على التخلي عما سلف من سيء الأخلاق وذميم الفعال، وقبيح التصرفات والسلوك، ثم التحلي بجميل الصفات وحسن الأخلاق وكريم الخصال..
والمفروض في الحاج أن يكون ذا خلق حسن وعشرة جميلة، متمتعا بالرفق واللين والتسامح وكظم الغيظ والعفو عن الناس، ومتصفا بالإحسان والتحمل والصبر على الأذى؛ لأنه ما أكثر الأسباب المؤدية إلى القلق والضيق والنزاع والخصام، وخاصة في أجواء الازدحام وأماكن الاكتظاظ، حيث يضيق صبر الكثير من الحجاج الذين لم يتدربوا على الصبر قبل مجيئهم إلى الحج، فيسارعون إلى الجدال والخصام واللجاج، بل لا يرعوون أحيانا من اللجوء إلى السباب واللعن والخشونة والمدافعة والغلظة في حق إخوانهم من الحجيج، متناسين بأن الحج يحتاج من الحاج للحفاظ على أجره وثوابه إلى الصبر وحسن المعاملة وكريم الخلق..
إن من حج ولم يستفد من حجه فذلك الذي لم يخلص نيته لله، ولم يحترم آداب الضيافة حين كان ضيفا على ربه في حرمه وفي بيته، كان ضيفا من ضيوف الرحمن فما التزم بحقوق الضيافة، وما علم بأن الإساءة في هذا المقام هي إساءة للمضيف، وإساءة إلى بيته وحرمه، وإلى ضيوفه الذين جاءوا من كل فج عميق، ملبين طائعين، وليعبدوا ربهم ويوحدوه، ويذكروه ويشكروا له على ما هداهم إليه من نعمة الإسلام والتوحيد، وليشهدوا منافع لهم..
إن الإساءة في بيت الله الحرام، ذلك المقام الذي يحج إليه كل الأنام، هي إساءة تسير بذكرها الركبان، ويشهد عليها كل الخلائق الذين حجوا ولبوا وصلوا وطافوا بالأركان، ومن ثم عظم جرمها بعظمة المقام والمكان والزمان.. فليحذر الحاج أن يسيء إلى ربه الذي ضيفه في بيته الحرام، فيسيء إلى ضيوفه، وإلى بلده وإلى نفسه وإلى مقامه، ويفسد حجه ومرامه.. وليتذكر حجم المعصية وعظمها في ذلك المقام، والتي قد يسري عليه أثرها في حجه وبعد حجه، فيعود منه وقد عظمت ذنوبه، فزاد إصرارا وعنادا، واستمرأ التمرد على شرع الله، والتكبر على خلقه، وخسران نفسه..
شكر الله على تيسير الحج:
إن من وفقه الله جل وعلا لتأدية فريضة الحج على الوجه الأكمل، فقد حقق من حجه أهم المقاصد التي تصوغه صياغة جديدة، فيعود بحج مبرور وسعي مشكور، وقد تمتع بزيارة الأماكن الطيبة والمقدسة، التي صاحبها بأجمل الذكريات الدينية المجيدة، والنفحات الإلهية العديدة، فيكون له من هذه الذكريات نور وضياء، ومن هذه النفحات غذاء ودواء، ومن التدبر والتفكر إيقاظ وإحياء.. والذكرى تنفع المومنين.
لقد رأى المشاعر الحرام، فازداد لدين الله إجلالا، وعلى ربه إقبالا، وقد شاهد بعينه كيف انبعث دين الإسلام الهادي من جوف الصحراء، ومن واد غير ذي زرع عند بيت الله المحرم، ومع ذلك عمر هذا الإسلام دنيا الناس بالخيرات والبركات، وزانها بالطيبات والصالحات، وأخرج من عرض الفيافي ومن جوف الخيام رجالا صاروا فرسان النهار ورهبان الليل، فعلموا الدنيا كيف تكون القيادة الرشيدة، والعبادة المجيدة، والجهاد من أجل الحق والخير، والعدالة والإخاء.
إن الحج فريضة توجد في الإنسان إذا أداها بصدق وإخلاص كثيرا من مقومات الشخصية الاجتماعية المنشودة للمجتمع الحي الدءوب، فهي تأخذه أولا بالتوبة، والتطهر من المآثم والمظالم، وتعلمه الرحلة في سبيل العقيدة، والتعب في سبيل المبدأ، وهي تعلمه أيضا كيف يلتئم وينسجم مع إخوانه في مؤتمر عام ضخم، وهي تعوده كيف تنبسط يده بالبر والإحسان، وتعوده على التضحية والبذل. وحبذا لو فقهت ملايين المسلمين هذه الفريضة العظيمة على هذا الوضع، حتى تتضاعف الثمرات من أداء الحج كل عام.[3]
وقد ذكر الله الحج ووصفه بالأشهر المعلومات، وما هو في حقيقة أمره إلا أيام معدودات، فقال عز من قائل: “الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ” [سورة البقرة، الآية:197]. ويتضح من الآية أن الله تعالى عندما فرض الحج فرض معه مباشرة الاقلاع عن مفسدات الحج، وهي الرفث والفسوق والجدال، وقد أعقب الحديث عنها بالوقاية منها، فذكر الحاج بالتقوى في حجه، حيث قال الله تعالى: “الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ، وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى، وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ” [سورة البقرة، الآية:197]. ولم يفصل ربنا عز وجل في المناسك إلا بعد إظهار هذه المفسدات والتركيز عليها لإبعادها من طريق الحاج وإخلاء سبيله؛ لأنه بدون تنقية الأجواء منها لا يستقيم الحج، فالحاج الذي لا يدع الرفث والفسوق والجدال لا يكتمل حجه ولا يستفيد منه؛ لأن هذه المفسدات تحبطه وتذهب بأجره. ولهذا لابد في الحج من التركيز على التقوى فإنها خير زاد، والله تعالى أمر الحاج بالتزود بزادين: زاد الروح وزاد الجسد، فقال تعالى: “وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى” [سورة البقرة، الآية:197] والتقوى لا تحصل إلا بحسن الخلق، ولا يفيد الحج ولا الصوم ولا الصلاة ولا الزكاة بدون حسن الخلق. وكل الدروس التي يتلقاها الحجاج في المساجد وغيرها استعدادا للحج، سواء كانت دروسا نظرية أو دورات تدريبية لا يكون لها كبير أثر ما لم تركز على التزود بالصبر وحسن المعاملة وضبط السلوك، فالحاج في حاجة ماسة إلى التدريب على هذه الأخلاق قبل التدريب على المناسك حتى يسلم حجه من المفسدات، وهو مطالب بمخالفة الهوى وعصيان الشيطان وطاعة الرحمن، ومطالب بحمل النفس على مكارم الأخلاق وتجنب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، كما هو مطالب بالتفقه في معاني الحج الذي سينعم بالقيام بمناسكه، وبالتحقق بغايته من التقوى والبر؛ فإن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. ولهذا الغرض يتعين على الحاج أن يحسن خلقه، ويحرص على تزكية نفسه وتمهيدها للفوز مع الفائزين من ضيوف الرحمن.
والحج هو امتحان للنفس، وقليل من الحجاج من يستحضر في مناسك الحج بأن “من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه”[4]، أي رجع نقيا تقيا خاليا من الذنوب والمعاصي، قد غسل قلبه، وصقل جوارحه، فنشطت نفسه للعبادة، وتحققت بتقوى الله عز وجل. وقد دل هذا الحديث والآية السابقة على أن الحج يمنع فيه منعا باثا اقتراف المعصية وكل مخالفة شرعية، والسيئة تعظم بعظم الزمان والمكان، كما تعظم الحسنة بذلك، ويزداد أجر هذه كما يزداد وزر تلك. والمعصية في بيت الله الحرام وفي موسم الحج جرم عظيم لا يليق بالحاج الذي قصد بيت الله أن يقترفه، وإلا فلماذا يحل ضيفا في كنف الرحمن وحرمه، ويجرؤ على عصيان ربه وظلم نفسه؟؟.. ولذلك ينبغي على الحاج أن يلتزم في أثناء حجه بأعلى درجات الطاعة والصبر والانضباط والتحكم في النفس.
وإذا كان الشرع قد ذهب في النهي أثناء الحج حتى عن إتيان المباحات، وهو الرفث، وهو مباشرة الزوجة أو مداعبتها ومغازلتها، ونهى أيضا عن الصيد وهو حلال، بل نهى الحاج أثناء إحرامه حتى عن التطيب لحكمة أرادها، فكيف لا يكف الحاج عما هو محرم ومنهي عنه من أصله، كالكذب والغيبة والسباب والجدال وأذى المسلمين، وأخذ حقوقهم وظلمهم، وغير ذلك من ارتكاب الفواحش والمحرمات. ومن هنا وجب على الحاج أن يسترشد بهذه التوجيهات الثلاث:
1. لا تحف الزحام، فإن ما تؤديه من المناسك بدون زحام أفضل وأكثر أجرا مما تزاحم من أجله، وربما أديت منسكا من المناسك بطريقة تؤذي بها الآخرين، وتظلمهم فيها، فتنال على ذلك الوزر بدل الأجر.. وفي الحديث: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وكبر”[5].
2. لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب.. فإن من يستفز غضبك آثم في حقك، فإذا استجبت لاستفزازه شاركته في الإثم، ولو صبرت على أذاه وأعرضت عن جهله لانتصرت عليه وعلى نفسك وعلى الشيطان، وكنت الرابح الأكبر والفائز بالأجر العظيم.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم”[6].
3. لا تجادل، ولا تناقش من دون فائدة، فإن الحج مجال للعبادة، وليس مجالا لكثرة القيل والقال، وضياع الأوقات والفرص الثمينة بشرف المكان والزمان. والتمس الأعذار في كثير من الأحوال؛ فإن الصبر في مواسم الحج أجره من أعظم الأجر، وقد مدح الله تعالى الصابرين فقال: “إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ” [سورة الزمر، الآية:10]..
من هنا وجب على الحاج أن يتخذ من الآية الكريمة في الحج شعارا يضعه فوق ناصيته، يذكره على الدوام بأن الحج المبرور رهين بخلوه من الرفث والفسوق والجدال. وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في المناسك تؤكد على تحصين الحج من المفسدات حتى يفوت الحاج الفرصة على إبليس وأعوانه، وذلك بالإكثار من التزود بزاد الصبر والتقوى.
الحج المبرور هدف الحاج:
ينبغي لمن أراد الظفر بالحج المبرور أن يخرج أولا من بيته بنية الطاعة لله تعالى، والتقرب إليه بما تيسر له من أنواع القربات، وفي الحديث: “ما من خارج يخرج، يعني من بيته، إلا بيده رايتان، راية بيد ملك، وراية بيد شيطان، فإن خرج لما يحب الله عز وجل، اتبعه الملك برايته، فلم يزل تحت راية الملك حتى يرجع إلى بيته، وإن خرج لما يسخط الله، اتبعه الشيطان برايته، فلم يزل تحت راية الشيطان حتى يرجع إلى بيته”[7].
ولأن الدعاء مخ العبادة، بل هو العبادة نفسها ما تركه الرسول صلى الله عليه وسلم أبدا. والحج المبرور يحتاج إلى الدعاء الملح والمستمر؛ لأنه دليل على لجوء الحاج إلى ربه، والعياذ به من الزلل ومن كل ما يفوت عليه الأجر أو ينقص من حجه وعبادته. ومن ثم يكون الحج المبرور بصيانة المناسك من العبث، ومن الرفث والفسوق والجدال، ومن كل المخالفات، وألا يفرط الحاج في واجب من الواجبات، وألا يهمل أدبا من الآداب أو سنة من السنن، وأن يكثر في حجه من الإحسان، وأن يتحلى بطيب الخصال وبكريم الأخلاق، وأن يطعم الطعام قدر المستطاع، وأن ينفق مما آتاه الله، وأن يتحدث بلين الكلام، وأن يتحمل الهفوات من غيره، ويعفو يصفح.. حتى إذا ما عاد من حجه، اشتغل على الدوام بالعزم على الإنابة والاستقامة، ورجع زاهدا في الدنيا، مقبلا على الآخرة، ومترفعا عن الشهوات، وراغبا فيما عند الله، وهو خير وأبقى..
إن الحج المبرور يتطلب الإخلاص لله، فمن خرج من بيته متطلعا إلى السمعة والثناء، والمباهاة والرياء، فقد حبط عمله، وضل سعيه، فلا عمله عمل مبرور، ولا سعيه سعي مشكور. ومن أجل ذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث على الإخلاص في الحج، ويحذر مما يفسده من الأقوال والأفعال، وكان يستعين بالله تعالى في أداء هذه الفريضة، ويدعوه قائلا: “اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة”[8].
أما مال الحج المبرور فلا يكون إلا حلالا طيبا؛ لأن النفقة الحرام من موانع الاستجابة، وفي الطبراني مرفوعا: “إذا خرج الرجل حاجا بنفقة طيبة، ووضع رجله في الغرز، فنادى: “لبيك اللهم لبيك”، ناداه مناد من السماء: “لبيك وسعديك، زادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور غير مأزور”، وإذا خرج الرجل بالنفقة الخبيثة، ووضع رجله في الغرز، فنادى: “لبيك اللهم لبيك”، ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك غير مبرور”[9].
وأما أيام الحج المبرور فتحيى بذكر الله والصلاة وتلاوة القرآن والإحسان وسائر الطاعات التي تتيسر للحاج، وتملأ أوقاته، وتحصنه من الوقوع في الفراغ، وتجره إلى السقوط في محبطات العمل والأجر.. فأيام الحج أيام فاضلة وبقاعه مباركة، وفي ذلك كله يضاعف الثواب أو العقاب..
ومن الحج المبرور أن يحترم الحاج المشاعر ويعظم الشعائر، ويقدر تلك الأماكن المقدسة التي تقام فيها تلك الشعائر العظيمة، فضلا عن أن يفسد فيها أو يقترف فيها ذنبا يحبط حجه.
ومن الحج المبرور أيضا أن يجتهد الحاج في موافقة الهدي النبوي في المناسك وعدم مخالفته في قول أو عمل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “خذوا عني مناسككم”[10].
ومن بر الحج كذلك التسليم والانقياد لأوامر الله ورسوله فيما أدركه المرء من معاني الحج وحكمه، وفيما لم يدركه، فهذا عمر الفاروق رضي الله عنه يقول للركن: “أما والله، إني لأعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم استلمك ما استلمتك، فاستلمه، ثم قال: فما لنا وللرمل، إنما كنا راءينا به المشركين، وقد أهلكهم الله، ثم قال: شيء صنعه النبي صلى الله عليه وسلم، فلا نحب أن نتركه”[11].
والحج المبرور هو قصد الكريم، وإرادة العظيم، وصفاء النية، وسلامة الهدف، ووضوح الرؤية، وإخلاص العمل لله جل وعلا..
والحج المبرور هو النفقة الحلال، والبعد عن الجدال، وبذل الحقوق، وترك الفسوق، والترفع عن العبث، وهجر الرفث، ولزوم الأدب، وحسن الخلق، والتزام النظام، وتجنب الغوغاء..
والحج المبرور هو التزام السنة، وحب صاحبها النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وحب أصحابه وأتباعه، والأخذ عنهم، وتوقيرهم، والبعد عن مخالفتهم، ومعاداة من يعاديهم، وموالاة من يواليهم..
والحج المبرور هو إقامة الصلاة، والإكثار من الدعاء، والإلحاح في الرجاء، وكثرة الذكر، والتأمل في الوحي، والتدبر للقرآن..
والحج المبرور هو رد المظالم وبذل المكارم، وأداء الأمانات..
والحج المبرور هو التوبة من الذنب، والندم على المعصية، والبكاء على الخطايا، والعزم على الإقلاع، وعدم العودة إلى ما فات من الزلات، والرجوع إلى الله والإنابة إليه..
والحج المبرور هو زم النفوس عن الهوى، وكبح الجوارح عن الغواية، وحفظ اللسان عن الفحشاء وقبيح الكلام..
والحج المبرور هو تعظيم الشعائر، وصيانة الدين، واحترام المقدسات، والإحسان إلى الناس..
والحج المبرور هو ابتغاء مرضاة الله، وغفران الذنوب، ومحو السيئات، ورفعة الدرجة، والطريق إلى الجنة..
والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة..
والحج المبرور بهذه المعاني هو الركن من أركان الإسلام، الذي تهفو إليه قلوب المسلمين، وتلبي له أفئدة الموحدين، على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم وأنسابهم: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة، لك والملك، لا شريك لك”.. تلبي استجابة لنداء خليل الله إبراهيم عليه السلام، الذي أمره ربه عز وجل بالنداء في الناس، فقال: “وأذن في الناس بالحج ياتوك رجالا وعلى كل ضامر ياتين من كل فج عميق” [سورة الحج، الآية:27]. ومن هنا كان للحج معاني وفضائل يحسن الوقوف عندها واستشعار عظمتها، حتى إذا شرع الحاج في المناسك، أداها تبعا لحكمها وأسرارها، ومحققا الغاية منها، فيجمع بين المدلول والمقصود، ويستشعر عظمة هذا الركن العظيم من أركان الإسلام ومنزلته، فيحقق المقصد من تشريعه، وبذلك يقدر النعمة التي أنعم الله بها عليه، حيث وفقه لحج بيته الحرام، فكان من بين الملبين لنداء رب العالمين على لسان أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام، ومتبعا لسنة خير الأنام سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام..
وقد حج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس في السنة العاشرة من الهجرة حجته التي رسم فيها لأمته عمليا كيفية أداء هذه الفريضة العظيمة، وحث الناس على تلقي كل ما يصدر عنه من أقوال وأفعال في هذه الحجة، ثم قال: “خذوا عني مناسككم، لعلي لا أراكم بعد عامي هذا”[12]، فسميت حجة الوداع، وفيها نزل قول الله عز وجل: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً” [سورة المائدة، الآية:3]، وقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم بعد تلك الحجة..
إن الذي حج البيت العتيق، ووقف عليه عيانا، ليدرك حقيقة مقدار الصلة التي تجمع بين المسلمين وهذا البيت الذي هو أول بيت وضع للعبادة وللتوحيد.. فيدرك تلك الصلة الوثيقة التي نشأت في نفوس المسلمين منذ أذن إبراهيم عليه السلام في الناس بالحج.. وهي صلة الإسلام بالفطرة الإنسانية؛ لأن الكعبة بيت الله، وهي قبلة المسلمين في الصلوات الخمس التي افترضها الله عز وجل على عباده في اليوم والليلة.. وكل الفرائض موسمية إلا الصلاة فإنها يومية ومستقرة أبد الآبدين، لا تنقطع بأي حال من الأحوال، وقد جعل الله وجهتها البيت الحرام، وشرطه شرطا من إقامة الصلاة، فقال الله تعالى: “قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ، فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا، فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ، وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ، وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ” [سورة البقرة، الآية:144].
ومن هنا كانت صلة المسلم ببيت الله الحرام مستمرة كل يوم وليلة على مدار العمر، يستقبله مع القدرة في كل صلاة يصليها، فريضة كانت أم نافلة، كما أن الدعاء المستجاب هو الذي يستقبل به الكعبة البيت الحرام. ولهذا فإن هذه الصلة الوثيقة التي حصل بها هذا الارتباط الرباني بين قلب المسلم وبيت الله الحرام بصفة مستمرة تدفع به في رغبة ملحة إلى التوجه إلى ذلك المقام ليمتع قلبه وبصره وشعوره وبصيرته بالنظر إلى الكعبة المشرفة، وليؤدي الحج الذي افترضه الله عليه إذا استطاع إلى ذلك سبيلا.
والمسلم متى استطاع الحج بادر إلى أدائه، وقام بالمناسك التي محلها البيت العتيق، والذي “فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً” [سورة اَل عمران، الآية:97]. لقد شرع الله الشرائع والعبادات لحكم عظيمة ومصالح عميمة، بعضها يدركه الإنسان وبعضها لا يدركه، وقد فرضها على سبيل اليسر؛ لأن الله يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر، ولا يكلفهم إلا وسعهم، ولا يجعل عليهم في الدين من حرج. والحكمة الجامعة في العبادات كلها هي تزكية النفس وترويضها على الفضائل، وتطهيرها من النقائص والرذائل، وتحريرها من عبادة الشهوات، وتقريبها من الملأ الأعلى، لتسمو فوق شهوات الأرض، وترقى إلى مصاف الإنسان المكرم بكرم الله، حيث يقول: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً” [سورة الاِسراء، الآية:70]. وفي كل فريضة من فرائض الإسلام امتحان لإيمان العبد ولعقله وإرادته، ولذلك كان لكل فريضة أسرار وحكم ومنافع هي مقاصدها التي شرعت من أجلها، وفي كل ذلك تحقيق للعبودية الحقة لله وحده، وإخلاص للعمل وإقامة للدين، وارتباط بين المومنين وتوحيد لهم على ضوء دين الله.
ومن الناس من يحصر الشعائر التي نؤديها في مجرد الإيمان بها، دون تمثل إرشاداتها وغاياتها في الحياة، ولا يمتد تفكيره إلى ما نتعلمه من أداء الشعائر، وهو التعظيم الحقيقي لها، والذي أراده الله تعالى بقوله: “ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ” [سورة الحج، الآية:32]. فمراد الله سبحانه وتعالى من أداء شعائر الدين هو تحقيق التقوى، وليس مجرد الإيمان بها دون عمل بمقتضاها ومقتضى الإيمان الذي لابد أن يصدقه العمل ويبرهن على أثره في القلب والجوارح، وهذه هي التقوى.
إن شعائر الإسلام تعلمنا الإيمان وتزودنا به، وترشدنا إلى العمل وتطالبنا بالتزامه، فهي تعلمنا أن نكون مسلمين صالحين. ومن هذا المنطلق فإن وظيفة الحج تستمد من دلالة عبادته، وليس من مجرد العبادة، كما هو الشأن في سائر العبادات التي فرضها الله عز وجل من أجل تحقيق غاياتها، فوجب تعلم دروسها والاستفادة منها، ليكون لها مغزى في حياتنا يدل عليه تعبيرنا عن الخضوع التام لله سبحانه وتعالى.
فلا ينبغي للمسلم أن يكون مسلما لله في المسجد وأثناء أداء الفرائض، حتى إذا خرج من المسجد وخلص من أداء الفرائض، خرج من الدين وتخلص من الالتزام بالأوامر والنواهي، فلا تجد لعبادته أثرا في سلوكه، ولا يترجم هذه العبادة إلى عمل في الواقع الذي يحياه، فلا صلاته تنهاه، ولا صيامه يحقق تقواه، ولا حجه يطهره، ولا زكاته تزكيه.. ولا ينكر المنكر، ولا يأمر بالمعروف، ولا يريد أن يكون له دور في إصلاح المجتمع، ولا في الدفع بعجلته إلى الأمام.. ولا يهمه انتصار الإسلام أو اندحاره، ولا يكثرت لمصاب المسلمين، ولا لشأن من شؤونهم، لايهمه اغتصاب أراضيهم من قبل عدو، ولا يحركه الظلم والتكالب على المقدسات، ولا الإذلال والامتهان لكرامة المسلمين، ولا الحرب عليهم، ولا الاضطهاد لأبنائهم، والاستيلاء على خيراتهم..
ومن لم يحرك فيه هذا الحال أو بعضه الغيرة على دينه وعلى إخوانه فليس من الإسلام وليس من المسلمين، كما جاء صريحا في الحديث: “من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن لم يصبح ويمس ناصحا لله ولرسوله ولكتابه ولعامة المسلمين، فليس منهم”[13].
إن المسلم الحقيقي هو الذي يحس بالانتماء إلى الإسلام وإلى أمة الإسلام، ويعتز ويفخر بهذا الانتماء، وهو الذي يهتم بمجد أمته ويريد لها أن تتقدم الأمم، وأن تعود لها الريادة والشهادة على الناس؛ لأنها أمة الخير وأمة السلام، وتحيتها السلام لها ولجميع البشر، قال تعالى: “كنتم خير أمة أخرجت للناس، تامرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتومنون بالله” [سورة اَل عمران، الآية:110].
——————————————
1. الألباني، ناصر الدين: صحيح الجامع، من حديث جابر رضي الله عنه: رقم 7882، وهو صحيح.
2. البيهقي: السنن: 10/125. والصنعاني: سبل السلام: 4/259-260.
3. الشرباصي، أحمد: يسألونك في الدين والحياة: المجلد الثالث/ص74-75، دار الجيل، طبعة 1406/1986، بيروت لبنان.
4. البخاري: صحيح البخاري: الحديث رقم 1521 و1819 و1820، وصحيح مسلم: رقم 1350، وفي رواية عند مسلم: “من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، رجع كما ولدته أمه”، وهذه الرواية نفسها في حلية الأولياء: 8/131.
5. ابن كثير : البداية والنهاية: 5/142، والحديث رواه عمر بن الخطاب، وإسناده جيد، لكن راويه عن عمر مبهم، لم يسم، والظاهر أنه ثقة جليل.
6. ابن حجر العسقلاني: فتح الباري لابن حجر: 10/528، والحديث رواه عبد الله بن عمر، وإسناده حسن. وصححه الألباني فيصحيح الجامع: الرقم6651.
7. ابن حنبل، أحمد: المسند: الحديث رقم1277 من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، وفي سنن ابن ماجة: رقم186 من رواية صفوان بن عسال في طلب العلم، ولفظه: “ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع”. وكذلك هو في صحيح الموارد: رقم67، وفي صحيح الترغيب، وفي صحيح الجامع للألباني: رقم5702، بزيادة عبارة: “حتى يرجع” في آخر المتن، وإسناده صحيح.
8. الألباني، ناصر الدين: صحيح الجامع: رقم 1302، والحديث رواه أنس بن مالك، وهو في صحيح الترغيب للألباني أيضا: رقم 1122، ولفظه في هذا الأخير: “حج النبي صلى الله عليه وسلم على رحل رث وقطيفة خلقة تساوي أربعة دراهم أو لا تساوي، ثم قال : اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة”، وهو كذلك في صحيح ابن ماجه: رقم 2355.
9. الألباني: ضعيف الترغيب: ص711، والحديث أخرجه الطبراني مرفوعا من رواية أبي هريرة، وهو في جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي: 1/621، وإسناده فيه ضعف، وهو أيضا في وفي السلسلة الضعيفة: رقم1092، وهو عند الألباني ضعيف جدا.
10. ابن الملقن: البدر المنير: 6/183، والحديث رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وهو في، وإسناده صحيح، وذكر ابن الملقن في البدر كذلك: 6/273، أن النبي صلى الله عليه وسلم بات بمنى ليالي التشريق، وقال: “خذوا عني مناسككم”، وقال: أما مبيته بمنى فصحيح مشهور. والحديث أيضا في ذخيرة الحفاظ لابن القيسراني: 3/1267، واللفظ فيه: لعلي لا ألقاكم..، وفيه أحمد بن بديل الأيامي ضعيف. وقد أثبته ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: 3/675، والألباني في الجامع الصحيح: رقم 7882.
11. البخاري: صحيح البخاري: رقم 1605، والحديث رواه عبد الله بن عمر، وهو من رواية عبد الله بن عباس في مسند أحمد: 1/81 من تحقيق أحمد شاكر، وفيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أكب على الركن فقال: “إني لأعلم أنك حجر ولو لم أر حبيبي صلى الله عليه وسلم قبلك أو استلمك ما استلمتك ولا قبلتك لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة”.
12. ابن الملقن: البدر المنير: 6/183، والحديث رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وإسناده صحيح، وذكر ابن الملقن في البدر كذلك: 6/273، أن النبي صلى الله عليه وسلم بات بمنى ليالي التشريق، وقال: “خذوا عني مناسككم”، وقال: أما مبيته بمنى فصحيح مشهور. والحديث أيضا في ذخيرة الحفاظ لابن القيسراني: 3/1267، واللفظ فيه: لعلي لا ألقاكم..، وفيه أحمد بن بديل الأيامي ضعيف. وقد أثبته ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: 3/675، والألباني في الجامع الصحيح: رقم 7882.
13. المنذري: الترغيب والترهيب: 3/35، والحديث رواه حذيفة بن اليمان، ومنه رواية عبد الله بن جعفر، وهو في ضعيف الترغيب للألباني: رقم 1099، وهو ضعيف. وراه أيضا أبو ذر الغفاري بلفظ: “من أصبح وهمه الدنيا، فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن أعطى الذلة من نفسه طائعا غير مكره، فليس منا”، وذلك في السلسلة الضعيفة للألباني: رقم 310، وفي مجمع الزوائد للهيثمي: 10/251، وفيه يزيد بن ربيعة الرحبي وهو متروك.
الألباني، ناصر الدين: صحيح الجامع، من حديث جابر رضي الله عنه: رقم 7882، وهو صحيح.
[1]البيهقي: السنن: 10/125. والصنعاني: سبل السلام: 4/259-260.
[1]الشرباصي، أحمد: يسألونك في الدين والحياة: المجلد الثالث/ص74-75، دار الجيل، طبعة 1406/1986، بيروت لبنان.
[1]البخاري: صحيح البخاري: الحديث رقم 1521 و1819 و1820، وصحيح مسلم: رقم 1350، وفي رواية عند مسلم: “من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، رجع كما ولدته أمه”، وهذه الرواية نفسها في حلية الأولياء: 8/131.
[1]ابن كثير:البداية والنهاية: 5/142، والحديث رواه عمر بن الخطاب، وإسناده جيد، لكن راويه عن عمر مبهم، لم يسم، والظاهر أنه ثقة جليل.
[1]ابن حجر العسقلاني:فتح الباري لابن حجر: 10/528، والحديث رواه عبد الله بن عمر، وإسناده حسن.وصححه الألباني فيصحيح الجامع: الرقم6651.
[1] ابن حنبل، أحمد: المسند: الحديث رقم1277 من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، وفي سنن ابن ماجة: رقم186 من رواية صفوان بن عسال في طلب العلم، ولفظه: “ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع”. وكذلك هو في صحيح الموارد: رقم67، وفي صحيح الترغيب، وفي صحيح الجامع للألباني: رقم5702، بزيادة عبارة: “حتى يرجع” في آخر المتن، وإسناده صحيح.
[1]الألباني، ناصر الدين: صحيح الجامع: رقم 1302، والحديث رواه أنس بن مالك، وهو في صحيح الترغيب للألباني أيضا: رقم 1122، ولفظه في هذا الأخير: “حج النبي صلى الله عليه وسلم على رحل رث وقطيفة خلقة تساوي أربعة دراهم أو لا تساوي، ثم قال : اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة”، وهو كذلك في صحيح ابن ماجه: رقم 2355.
[1]الألباني: ضعيف الترغيب: ص711، والحديث أخرجه الطبراني مرفوعا من رواية أبي هريرة، وهو في جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي: 1/621، وإسناده فيه ضعف، وهو أيضا في وفي السلسلة الضعيفة: رقم1092، وهو عند الألباني ضعيف جدا.
[1]ابن الملقن: البدر المنير: 6/183، والحديث رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وهو في، وإسناده صحيح، وذكر ابن الملقن في البدر كذلك: 6/273، أن النبي صلى الله عليه وسلم بات بمنى ليالي التشريق، وقال: “خذوا عني مناسككم”، وقال: أما مبيته بمنى فصحيح مشهور. والحديث أيضا في ذخيرة الحفاظ لابن القيسراني: 3/1267، واللفظ فيه: لعلي لا ألقاكم..، وفيه أحمد بن بديل الأيامي ضعيف. وقد أثبته ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: 3/675، والألباني في الجامع الصحيح: رقم 7882.
[1]البخاري: صحيح البخاري: رقم 1605، والحديث رواه عبد الله بن عمر، وهو من رواية عبد الله بن عباس في مسند أحمد: 1/81 من تحقيق أحمد شاكر، وفيه أن عمر بن الخطابرضي الله عنه أكب على الركن فقال: “إني لأعلم أنك حجر ولو لم أر حبيبي صلى الله عليه وسلم قبلك أو استلمك ما استلمتك ولا قبلتك لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة”.
[1]ابن الملقن: البدر المنير: 6/183، والحديث رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وإسناده صحيح، وذكر ابن الملقن في البدر كذلك: 6/273، أن النبي صلى الله عليه وسلم بات بمنى ليالي التشريق، وقال: “خذوا عني مناسككم”، وقال: أما مبيته بمنى فصحيح مشهور. والحديث أيضا في ذخيرة الحفاظ لابن القيسراني: 3/1267، واللفظ فيه: لعلي لا ألقاكم..، وفيه أحمد بن بديل الأيامي ضعيف. وقد أثبته ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: 3/675، والألباني في الجامع الصحيح: رقم 7882.
[1]المنذري: الترغيب والترهيب: 3/35، والحديث رواه حذيفة بن اليمان، ومنه رواية عبد الله بن جعفر، وهو في ضعيف الترغيب للألباني: رقم 1099، وهو ضعيف. وراه أيضا أبو ذر الغفاري بلفظ: “من أصبح وهمه الدنيا، فليس من الله في شيء، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن أعطى الذلة من نفسه طائعا غير مكره، فليس منا”، وذلك في السلسلة الضعيفة للألباني: رقم 310، وفي مجمع الزوائد للهيثمي: 10/251، وفيه يزيد بن ربيعة الرحبي وهو متروك.
أرسل تعليق