الوطنية والمساوئ الوقتية
الوطنية إحساس فطري عجيب وعاطفة إنسانية قوية تحمل المواطن على حب لوطنه والقيام بواجباته تجاهه بعفوية وصدق وإخلاص..
لا أريد في هذه الكلمات المعدودة أن أقدم دروسا في هذا الموضوع، ولكن أحببت أن أشير إلى أن حب الوطن والارتباط به قيمة أساسية من قيم الإسلام الحضارية، عبر عنها بشكل رفيع سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم، الذي يعتبر نموذج قمة الوطنية كما ورد ذلك في سيرته العطرة..
فقد أورد الإمام البخاري في بداية جامعه الصحيح قصة بداية نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهابه مع خديجة رضي الله عنها إلى ورقة بن نوفل الذي أخبره أن قومه سيخرجونه، فقال عليه الصلاة والسلام: أوَ مخرجي هُمْ؟.. وهذا استفهام تعجبي إنكاري فيه إشارة واضحة إلى أن أمر الإخراج من الوطن شق كثيرا على الرسول الكريم، لذلك استغرب هذا السلوك الفج المخالف لأبسط حقوق الإنسان..!
وهكذا وقف النبي عليه الصلاة والسلام مخاطبا مكة يودعها حين كان مهاجرا إلى المدينة فقال قولته المأثورة: ما أطيبكِ من بلد وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ..
ومما صح عنه كذلك صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قدم من سفر فرأى درجات المدينة أوضع ناقته، أي أسرع بها. وفي هذا قال الإمام ابن حجر في فتح الباري: فيه دلالة فضل المدينة وعلى مشروعية حب الوطن، والحنين إليه.
وحين هاجر الصحابة الكرام رضي الله عنهم إلى المدينة أصابتهم الحمى واشتدت عليهم لعدم إلفهم بها، فدعا صلى الله عليه وسلم دعاءه المشهور: اللهم حبِّب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد.
ومما في صح في الرقية الشرعية أن الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام كان إذا أراد أن يرقي مريضاً بلَّ أُصبعه بريقه، ثم وضعه على التراب، ثم مسح به المريض وقال: بسم الله، تربة أرضنا، برِيقة بعضنا، يُشفى سقيمنا بإذن ربنا.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل كتب الرسول صلى الله عليه وسلم الوثيقة المشهورة التي تعبر عن الوطنية والمواطنة أصدق تعبير، وجعل من حب الوطن واحترامه والدفاع عنه بنودا أساسية سجلها التاريخ بمداد الفخر والاعتزاز.
ورغم أن المدينة المنورة أصبحت موطنا للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد ظل يحن إلى مكة ويسأل عنها. وهكذا حين قدم أصيل الغفاري بادره الحبيب المصطفى سائلا: يا أصيل، كيف عهدت مكة؟ فقال: والله عهدتها قد أخصب جنابها، وابيضت بطحاؤها، وأغدق إذخرها، وأسلت ثمامها، وأمشّ سلمها..
فقال عليه الصلاة والسلام: حسبك يا أصيل، لا تحزنا..
وفي رواية أخرى: ويهاً يا أصيل، دع القلوب تقر قرارها..
وإذا كان رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام يقول هذا الكلام تعبيرا عن عمق إحساسه بصدق وطنيته وحبه لوطنه ووفائه له، فماذا عسانا نقول اليوم لمن يدعي الانتماء إلى الوطن ثم يسعى فيه خرابا وفسادا، وهذا من أقبح أنواع السعي بالفساد في الأرض..!! كما حصل مؤخرا في مدينة العيون، جوهرة أقاليمنا الصحراوية العزيزة؟!
لقد قصدت من هذه المقالة المقتضبة القول لكل انفصالي منتحل لقيمة الوطنية:
حسبك يا فتان.. فقد آذيت الله والرسول والمواطنين أجمعين في هذا البلد الأمين..
وينوب عني الشاعر في القول لكل مغرض جاحد للحق يساند هذا الفتان الانفصالي:
يخاطبني السفيه بكل قبح فأكـره أن أكون له مجيبا
يزيـد سفاهـة فأزيد حلمـا كعـود زاده الإحـراق طيبا
أرسل تعليق