المراقبة القيمية
شملت الحماية والمراقبة «القيمية» جميع جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية للأمة الإسلامية، وبذلك صلح أمرها، وتحققت نهضتها، وتحدثت بشيمها الركبان، وطارت سيرتها فبلغت شتى البلدان، فحج إليها الناس أرسالا، واعتنقوا الإسلام أفواجا أفواجا، أمِنوا على دينهم وأموالهم وأنفسهم وأعراضهم وعقولهم، فأصبحت الكرامة والنبل والشرف والإخلاص والإخاء والرفق والرحمة – وغيرها من القيم السامية الأخرى- العملة المتداولة في أوساط الأمة وأبنائها الذين نذروا أنفسهم لما نذرت عليه نفسها: أن تكون خير أمة أخرجت للناس، وأن يكونوا خير من يحمي هذه «الخيرية»، ويمثلها أحسن تمثيل، وهم لها خير حارس وحافظ.
وفي حال غياب ضمير الرقابة الذاتية لسبب من الأسباب، نجد في الحضارة الإسلامية مؤسسة للرقابة العامة لحفظ القيم وتعددها، وهو ما تمثله مسألة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمناصحة»، حتى إن أحد الباحثين المعاصرين يؤكد في هذا الصدد على أن أمر المناصحة والمراجعة والنقد والتقويم لحراسة القيم الإسلامية والمجتمع الإسلامي بلغ مرتبة يمكن أن نقول معها: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستمرار المعايرة للواقع بالقيم، هذه المسؤولية الوسيلة أصبحت من القيم نفسها وارتقت إلى مرتبتها، وأصبح ذلك من التدين السليم الذي تتميز به الأمة المسلمة، ويكون سببا في خيريتها، ولم يعد وسيلة لحماية القيم وحراستها، وضمان شيوعها واستمرارها في المجتمع فقط[1].
وقد كتب عدد من المفكرين المعاصرين يتحدثون عن القيم الحضارية التي ينشدها العالم اليوم وضرورة الاعتناء بها، فدق عقلاء الغرب أجراس الإنذار، يحذرون من العواقب الوخيمة التي تنتظر المجتمع الغربي، كما دعا بعض علماء الإسلام إلى الرجوع إلى حضارة الإسلام وقيمها. ومن هؤلاء العلامة يوسف القرضاوي الذي أكد على أن البشرية اليوم في حاجة إلى حضارة تعيد إليها إيمانها بالله وبرسالاته، وبلقائه وبحسبانه وعدالة جزائه، وبالقيم العليا التي لا يكون الإنسان إنسانا بغيرها، ولا يكون للحياة مذاق ولا معنى بسواها.
والبشرية في حاجة ماسة إلى حضارة جديدة تعطيها الدين ولا تفقدها العلم… تعطيها الإيمان ولا تسلبها العقل.. تعطيها الروح ولا تحرمها المادة. تعطيها الآخرة ولا تحرم عليها الدنيا… تعطيها الحق ولا تمنعها القوة.. تعطيها الأخلاق ولا تسلبها الحرية.
والبشرية كذلك في حاجة إلى حضارة تتصل بها الأرض بالسماء، وتتعانق فيها المعاني الربانية، والمصالح الإنسانية، ويتآخى فيها العقل المفكر والقلب المؤمن، ويمضي فيها الإنسان قدما إلى الأمام مستضيئا بنور الوحي الإلهي، ونور الفكر البشري، فكلاهما من فضل الله ورحمته بالإنسان… “نور على نور” [ سورة النور، من الآية: 35]. وليست الحضارة إلا حضارة الإسلام، التي يتجلى فيها التوازن والتكامل بصورة لا يقدر عليها إلا العليم الحكيم، الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة من الأرض أو السماوات[2].
—————————————–
1. ينظر تقديم عمر عبيد حسنة لكتاب « قيم المجتمع الإسلامي» لأكرم ضياء العمري، 1/18.
2. ينظر كتاب يوسف القرضاوي: الإسلام… حضارة الغد، ص 149.
-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكر الله لكم
إذا كان الغرب دق جرس الإنذار
فأمتنا يجب أن تدقه مرتين
مرة. لتخليها عن قيمها وقبولها بما يسميه الآخر قيمة وهو ليس كذلك
ومرة لتخليه عن مرجعية القيم التي يجب أن تكون المرجع الأساس في قبول أو رفض أي "قيم" وافدة باعتبارها مؤطرة ومهيمنة
فالتخلي عن الوحي بشقيه باعتباره مؤطرا ومعيارا للقبول والرفض هو ما خلق فينا قابلية قبول أي شيء نظرا لغياب الجمارك القيمية
وهذا ليس على تعميمه
فالخير في الأمة حتى تقوم الساعة
التعليقات