الماء مصدر حياة الإنسان
شاء الله الخالق الحكيم أن يجعل الإنسان خليفة له في الأرض، فقال سبحانه: “وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الاَرض خليفة” [سورة البقرة، جزء من الآية: 30]، وقال تعالى: “وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الاَرض كما استخلف الذين من قبلهم” [سورة النور، جزء من الآية: 55]، ومن مقتضى حكمة هذا الاستخلاف أن يكون الإنسان قادرا على تعمير الأرض وأن تكون الأرض مستعدة للتغيير الذي تستهدفه عملية التعمير.
ومن القرآن الكريم نعلم أن العلوم والمعارف والفنون اللازمة لتحقيق قدرة الإنسان على تعمير الأرض تأتينا من مصدر واحد هو الله سبحانه وتعالى، وأن الإنسان لو ترك وشأنه لما استمرت حياته على الأرض، ولما تحققت الحكمة من خلقه.
ويعتبر الماء نعمة سابغة من الله تعالى بل هي أجل نعمة، فالأنهار تجري بما ينفع الناس والحياة بكل صنوفها من حيوان ونبات وبشر، والآبار والعيون التي تنضح ماء لمنفعة الإنسان. كل هذا مرتبط بالماء الذي ينزل بقدرة الله تعالى وإرادته من السماء إلى الأرض. قال الله تعالى: “وجعلنا من الماء كل شيء حي” [سورة الاَنبياء، جزء من الآية: 30]، وقال عز من قائل: “أفرايتم الماء الذي تشربون ءانتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون” [سورة الواقعة، الآيات: 68-69-70]، الله سبحانه هو الذي أنزل الماء من سحائبه، وهو الذي قدر أن يكون عذبا فكان، ولو شاء جعله أجاجا مالحا لا يستساغ ولا ينشئ حياة.
ولما كان الماء العذب لا غنى على شربه للإنسان، كان تلوثه أشد خطرا وأبعده أثرا، وكانت الحاجة إلى القضاء على تلوثه أكتر إلحاحا.
إن هذا الماء هو مصدر حياتنا وأصل جميع الكائنات الحية فعلينا أن نحافظ عليه ونقتصد فيه فهو طاقة ثمينة، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم إسوة حسنة حيث كان عليه –الصلاة والسلام- يحرص على عدم الإسراف في استعماله ويحض أمته على ذلك في وضوئهم واغتسالهم حتى ولو كان المؤمن بجوار بئر أو نهر.
عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد. ويرتبط بالماء غرس الأشجار والزرع ومختلف الثمار. وقد بالغ الإسلام في الحض على الغراسة والزراعة حتى جعل كل الغلات والإنتاج الزراعي صدقة يكتبها الله للغارس والزارع في صحيفة حسناته.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة.
وأنفع الأشجار وأطولها عمرا وأطيبها ثمرا كالنخل والزيتون والكرم ينتفع بعودها وورقها وثمارها وظلها وتنقيتها للهواء وغير ذلك من الخصائص.
ومن قصر الأمل وضعفه الهمة أن يقول إنسان أغرس أشجارا لا أدرك تمارها ولا أنتفع بمصالحها. روي أن رجلا مر بأبي الدرداء رضي الله عنه وهو يغرس جوزة فقال: أتغرس هذه وأنت شيخ كبير، وهذه لا تثمر إلا في كذا وكذا عاما. فقال أبو الدرداء: ما علي أن يكون لي أجرها ويأكل منها غيري.
إن الغرس والزرع من أفضل القربات تحيا به الأرض، وتخرج به طيبات الثمار والحبوب والحشائش التي يعيش بها الإنسان وسائر الحيوان.
جريدة ميثاق الرابطة، العدد 883، الخميس 12 جمادى الثانية 1420هـ الموافق 23 شتنبر1999م السنة الثانية والثلاثون.
أرسل تعليق