الكون مسخر للإنسان
أكد علماء الفيزياء الفلكية على أن القوانين التي تنظم صيرورة الكون، والعلاقات التي تربط بين مختلف مكوناته قائمة على أسُس ومبادئ مُحْكمة ودقيقة، فلو لم تكن القوى النووية على ما هي عليه من الإتقان، وقوى الجاذبية التي تجعل الأجرام في قمة الاتزان، والقوى الكهرمغناطيسية التي تدعم البناء الكوني بإحكام، لكان ظهور الحياة من المحال، وما توفرت الظروف الملائمة للإنسان كي يعيش على الأرض في استقرار قال الله سبحانه وتعالى “وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك ءَلايات لقوم يعقلون” [النحل، 12].
أصبح الإنسان يدرك أن هذا الكون الشاسع إنما هو بناء يضم الأجرام السماوية الهائلة، فمليارات المجرات تتوزع في هذا الفضاء الرحب على شكل تجمعات متعددة، وتحتوي على الآلاف من النجوم والكواكب التي تسبح فيه وفق ثوابت أساسية وضوابط محددة، وفي هذا السياق ظهر في ساحة علماء الغرب نقاش حاد حول “المبدأ الأنثروبي” أو “المبدأ الإنساني” الذي أخرجه عالم الفيزياء الفلكي Brandon Carter سنة 1974م، وهو مبدأ يرمي إلى تقييم التأثيرات الإنسانية على طبيعة الضوابط التي تقنن علوم الفيزياء والبيولوجيا، وهو يشمل:
المبدأ الضعيف: موقعنا في الكون هو متميز بالضرورة، بمعنى أنه يجب أن يكون متوافقا مع وجودنا بصفة مراقب، فمراقبة الكون ليست ممكنة إلا في زمن محدد من عمره؛
والمبدأ القوي: من الضروري للكون، وبالتالي العناصر الأساسية التي يقوم عليها، أن يتيح ظهور مراقبين داخله في مرحلة ما من مراحل تطوره. فهذا المبدأ يحاول أن يشرح الأسس الفيزيائية المحكمة التي بني عليها البناء الكوني بغية تعزيز ظهور الحياة.
إن أطروحة تواجد الإنسان على الأرض بالصدفة أصبحت متجاوزة اليوم لدى العلماء؛ لأن المعطيات الدقيقة والحقائق العلمية تنفي احتمال وجود الصدف المتراكبة بتاتا. إلا أن الكثير منهم لازال ينكر حقيقة خلق الكون وتسخيره للإنسان.
إن من نعم الله عز وجل على عباده أن نص في الكثير من الآيات القرآنية الكريمة على تسخير الكون للإنسان قال مولانا تبارك وتعالى “إن ربكم الله الذي خلق السماوات والاَرض في ستة أيام ثم اَستوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والاَمر تبارك الله رب العلمين” [الاَعراف، 53]، وقال عز وجل: “ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى” [ لقمان، 28].
وقد وردت آيات أخرى تؤكد حقيقة تسخير الخالق القدير البحر والأنهار وغيرها من المخلوقات، والنعم للإنسان، قال عز وجل “الله الذي خلق السماوات والارض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الانهار” إبراهيم، 34]، فالله خلق هذا الكون وسخر كل ما فيه للإنسان؛ وجعله مستخلفا فيه قال تبارك وتعالى: “وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض ءَلاَيات لقوم يعقلون” [البقرة، 163].
المراجع
.1 David Fossé et philippe Henarejos, Brandon Carter et le principe anthropique, Ciel et Espace Num 456, mai 2008.
2. محمد باسل الطائي، صيرورة الكون – مدارج العلم ومعارج الإيمان-، عالم الكتب الحديث، الطبعة الأولى 2010.
أرسل تعليق