العلم والعبادة في الإسلام
إن العلم بشتى أنواعه، يعتبره الإسلام طريقا أساسيا لمعرفة الله تعالى وخشيته، “وإنما يخشى الله من عباده العلماء” [سورة فاطر، الآية: 27]، وضرورة لمعرفة النفس الإنسانية وطاقاتها، “ونفس وما سواها” [سورة الشمس، الآية ]، والبيئة التي فيها نعيش، “إن في خلق السموات والاَرض لآيات لأولي الألباب، [سورة ال عمران، الآية 190 ].
وهذه المناحي الثلاثة ضرورية للحياة الفعالة السعيدة، وبما أن الهدف الأسمى للتربية والتعليم هو التهيئة لحياة فعالة سعيدة، فالالتقاء بينهما وبين فكرة الإسلام إذن، التقاء أصيل. هذا ويمكن النظر إلى عملية التعلم والتعليم في الإسلام كصورة من صور العبادة. قال صلى الله عليه وسلم: “من سلك طريقا إلى العلم سهل الله له به طريقا إلى الجنة” “وأن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما بصنع” قال تعالى: “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون” [سورة الزمر، الآية: 8]. وبذلك من يطلب علما فإنما هو في حالة عبادة.
ومن يرد أن يتعبد على بصيرة يطلب المزيد من العلم، وهكذا يجد نفسه في وسط العملية التربوية، وهكذا لاانفصال بين العلم والعبادة في فكرة الإسلام أصلا. ولا تحتاج إلى عملية فصل اصطناعي بينهما فتضيع القدرة الكامنة في الإسلام التي تزيد من تشوق الأفراد الأصيل للعلم وطلبه، علما بأن التشويق حالة نفسية هامة يجب أن تبدأ بها كل عملية تعلم أو تعليم، وبدونها تقل فعالية التعلم والتعليم إلى حد كبير.
فالعلم الذي يبتغي به وجه الله، عز وجل وهو كل علم نافع في الدين والدنيا، ذلك أن الإسلام لم يفصل بينهما لكنه اعتبر الأولى فترة التجربة والاختبار، وأن صلاحها صلاح لآخرة.
فكل علم يؤدي إلى نفع الناس فهو من العلم المطلوب، وأما ابتغاء وجه الله تعالى فهو أن يكون العلم مقبولا شرعا يتعبد المسلم به ويثاب عليه كالعلوم الشرعية من تفسير وحديث وفقه وتوحيد، واللغوية التي تخدم قضية كتاب الله تعالى محافظة على لغته وتقويما لها ونفي التحريف عنها، والعلوم الطبية وكل ما تحتاج إليه الجماعات المسلمة من علوم أخرى، والتي يعتبر الشرع تعلمها فرض كفاية قياما بحق مصالح الناس، فهذه كلها من العلوم التي يبتغي بها وجه المولى.
فالهدف الأول هو طاعة الله، عز وجل في أمر يتناوله المسلم، فالصانع يقوم بصناعته أخذا بالأسباب وأداء لمنفعة اجتماعية وسدا لحاجة المسلمين، وترتب الرزق على ذلك لا يعني أنها السبب الحقيقي، فالله عز وجل هو الرزاق. هذا هو الشأن في الاحتراف الذي ينظر الناس إليه على أنه وسيلة تحصيل رزق الله سبحانه.
والعلم يبتغيه الإنسان بقصد التفقه في الدين، وإصلاح بيئته التي يعيش فيها ويبتغي به وجه الله عز وجل.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله، عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب عرضا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة” يعني ريحها. فالهدف الأول من العلم عبادة محضة، فالعلم ما يتعبد به المسلم إلى ربه. أما تحوله إلى شباك صيد لأغراض الدنيا يشبه ذلك المرائي الذي يصلي ليراه الناس متعبدا زاهدا، وهذه مخادعة لله وللذين آمنوا، وحقيق أن ينكشف هذا الخداع وتفتضح نية فاعله، فتسقط هيبته من نفوس الناس وتحط منزلته بينهم، فضلا من حرمانه من فضل الله العلي الكبير في الآخرة.
لقد كان من سيرة الصالحين الأتقياء والورعين أن يحترف أحدهم إلى جانب العلم، فتقوم حرفته بحاجته ويفرغ وقته للعلم قاصدا به وجه الله تعالى، ولهذا عرف كثير من جهابذة العلماء بالعطار والخراز والوراق والغزال، وإلى جانب هؤلاء ارتفعت أسماء كثيرة من مصابيح العلم ممن كان العلم وسيلتهم إلى الله، جل جلاله، فأعزهم الله تعالى بعزته، وجاءتهم صلاة أهل الخير قياما بحقهم عليهم لانقطاعهم إلى تفقيههم في دينهم بذلك أداء حق البلاغ الذي وكل الله سبحانه إلى العلماء.
إن الحديث الشريف ينفر من تلك الطبقة الطفيلية التي رأت بهاء العلم وعزته وسلطانه وتعززه بعزة الله تعالى، فأحبت أن تنال ذلك العلم وصولا إلى تلك المراتب السامية، فكانت تبيع علمها كصاحب السلعة يقف بها في الأسواق ينادي: “هل من مشتري للفتوى؟ هل من مستوهب لكتاب؟ فضاعت كرامتهم وسقطت منزلتهم وباءوا بغضب من الله تعالى وذلك هو الخسران المبين.
فالتراث الفكري لأمتنا الإسلامية في سائر مجتمعنا إنما انبثق وتم عن طريق فكرة الإسلام وعلماء الأمة الإسلامية، وما عرف الواقع التاريخي للمجتمع الإسلامي قصة العداء بين الدين والعلم، ولا عرف تاريخنا نوعية محاكم التفتيش الأوروبية التي حرفت العلماء وقتلتهم بل على العكس، كان الكتاب المترجم يوزن بالذهب وتطلب الرفعة في الدنيا عن طريق العلم والتعلم.
إن من غايات أية مؤسسة تعليمية في أي قطر من الأقطار حسب أحدث النظريات التربوية يجب أن تعد جيلا متصلا بأجيال مجتمعه السابقة طامحا إلى المستقبل، فلا مناص إذن من تربية أجيال أمتنا إلى أسس متينة من تراثنا العربي الإسلامي تضمن لما تميز شخصيتنا بين الأمم، وبذلك يتم الانسجام بين فلسفة الحياة في مجتمعاتنا وبين سياسة التربية والتعليم فيها. وهكذا يجب أن ننتبه إلى كل فكرة جديدة لنزنها بميزان قيمنا نرفضها أو نقبلها أو نهذبها بحيث تتلاءم مع حاجاتنا ومجتمعنا، فالحكمة ضالة المؤمن أين وجدها فهو أحق الناس بها. والإسلام لم يقف في سبيل الاستفادة من أية فكرة نافعة أو علم مفيد مهما كان مصدره أو صاحبه.
اللهم أغنني بالعلم وزيني بالحلم وأكرمني بالتقوى وجملني بالعافية..
أرسل تعليق