الطريق التربوية من القرآن
الاستفهام في القرآن
إذا كانت الطرق التربوية الحديثة، قد استخدمت الاستفهام في الوصول إلى هدفها واعتبرته عنصرا قويا وطريقة حوارية تضفي على الفصل حيوية ونشاطا، بما تثيره في نفوس التلاميذ من انتباه من استعمال الفكر والذاكرة للإجابة على مختلف الاستفهامات الموجهة إليهم، وفي تدريب ألسنتهم على النطق بالصواب وعلى الجرأة الكلامية فإن القرآن الكريم، قد استعمل الاستفهام كثيرا وعلى نطاق واسع.
والاستفهام في القرآن، إذا كان صادرا من المخلوق فغالبا ما يقصد به طلب الفهم ومعرفة المجهول، قال الله تعالى: “يسألونك عن الساعة أََََيَّان مرسَاها” [سورة النازعات، الآية:40]، وقال أيضا: “قال فرعونُ وما ربُّ العالمين” [سورة الشعراء، الآية:21]، وقال أيضا: “إِذْ قَالَ الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء” [سورة المائدة، الآية:113].
وإذا كان الاستفهام صادرا من عالم ما ظهر، وما بطن فكثيرا أو فأكثر ما يعدل به عن حقيقته ويستعمل في مجالات تربوية أخرى غير طلب معرفة المجهول فيستعمل ما يأتي:
1. حمل المخاطب على الاعتراف، والإقرار، والإثبات، بعد التدبر والأناة، وهو ما يسمى بالاستفهام التقريري، وهو لنفي إذا دخل على نفي، فيصير المعنى إيجابا وتقريرا كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: “اَلم يجعل كيدهم في تضليل” [سورة الفيل، الآية:2]، وللإثبات إذا كان بعكس ذلك قوله تعالى: “ءَأَنتَ فعلت ذلك بآلهتنا يا إبراهيم” [سورة الأنبياء، الآية:61]، وليس المقصود أن يقر لهم بوجود كسر الأصنام ولكن بأن ذلك منه لا من غيره بدليل تقديم الضمير المنفصل على الفعل؛
2. حمل المخاطب على الجواب بالنفي بعد التدبر والتفكير واستعمال عقله ورؤيته، ولا شك أن هذا أحسن وألطف من أن ينفى له أمر أولا لما في هذا من إثارة عناده، وهذا الاستفهام يسمى بالاستفهام الإنكاري، لقوله تعالى: “فهل يهلك اِلا القوم الفاسقون” [سورة الاحقاف، الآية:33]، وقوله أيضا، “اَلكم الذكر والأُنثى” [سورة النجم، الآية 20]، وقال أيضا: “اَفأصفاكم ربكم بالبنين واتَّخَذ من الملائكة اِناثًا” [سورة الإسراء، الآية:39]، وقال أيضا: “فمن يهدي من اَضل الله وما لهم من ناصرين” [سورة الروم، الآية:28]؛
3. حمل النفس على التفكير ودفعها إلى التأمل وتدبر الأمور بألطف أسلوب حتى تقتنع بتفكيرها الحر، بأنه ما كان ينبغي أن يقع ما وقع، أو كان الصواب أن يقع ما لم يقع ويسمى هذا الاستفهام توبيخا، لقوله عز وجل: “اَلم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها” [سورة النساء، الآية95]؛
4. إظهار تعجب المتكلم من المخاطب ليحمله على إعادة النظر فيما فعله ويسمى استفهاما تعجبيا، لقوله تعالى: “أَتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب” [سورة البقرة، الآية:42]، وقال أيضا: “كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم” [سورة البقرة، الآية:26]؛
5. تهويل الأمر في نفس المخاطب وجعله عنده عظيم الوقع بالغ الخطر ليتقيه ويخافه، ويسمى استفهاما تهويليا “الحاقة ما الحاقة”، “القارعة ما القارعة”؛
6. تشويق المخاطب إلى فعل الشيء وترغيبه فيه وحضه عليه لما له فيه من فوائد عظمى وآثار جلى، ويسمى هذا استفهاما تحضيضيا، لقوله تعالى: “ألا تقاتلون قوما نكثوا أيْمانهم” [سورة التوبة، الآية:13]، وقال أيضا: “هل اَدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم” [سورة الصف، الآية:9]؛
7. تنبيه المخاطب على أمر يغفل عنه ولا يوليه من عنايته ما هو جدير به لقوله تعالى: “اَلم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا” [سورة الفرقان، الآية:44]؛
8. الأمر بفعل الشيء وخرج مخرج الاستفهام لعدم إثارة غريزة العصيان مع الأمر الصريح، لقوله تعالى: “إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون” [سورة المائدة، الآية:92]، وقال أيضا: “فهل أنتم مسلمون” [سورة هود، الآية:13]، إلى غير ذلك من المقاصد التي قصدها القرآن بالاستفهام، فهل تنبه علماء التربية إلى هذه الطرق التربوية واستعملوها ليربوا تلاميذهم على أساليب القرآن الرفيعة وليغرسوا في نفوسهم الافتتان بمناهجه؟.
أرسل تعليق