الدعاء والأمن
قال تعالى: “وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبيس المصير” [سورة البقرة، الآية: 126].
هذا دعاء آخر من نبي الله إبراهيم عليه السلام بأن يجعل الله تعالى مكة بلدا آمنا ويرزق أهلها المؤمنين من الثمرات. والحق أننا في هذا الدعاء الإبراهيمي بصدد مطلوبين يقوم عليهما استقرار الوجود الدنيوي:
المطلوب الأول هو الأمن إذ به ينقطع مطلق الخوف[1] ويتكون عند الناس الأمل والتطلع الصادق إلى الإقامة في بلد ما. وانطلاقا من أهمية هذا المطلوب ووزنه العظيم في قيام حياة مجتمعية جديرة بالاستمرارية الوجودية تعين التمكين في مفاصل المجتمع وفي كياناته الفردية والمؤسسية لقيم العدل والكرامة والعزة الإنسانية وغيرها من الصالحات التي بدون مراعاتها لا يتحقق أمن. أمن يسوده حقا وواقعا إعمار للدنيا وإفادة وتمتع بطيباتها ومباهجها. ولهذا كان الأمن من نتائج الإيمان والعمل الصالح في الإسلام لقوله تعالى: “وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الاَرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا” [سورة النور، جزء من الآية 54].
والمطلوب الثاني هو توفر ما يكفي من الغذاء. ومن ثم ندرك المغزى من إدراج الإمام ابن عاشور رحمه الله هذه الدعوة من إبراهيم ضمن “جوامع كلم النبوة”[2].
وفي شرط الإيمان نوع من أنواع التأدب مع الله تعالى[3] فضلا عن اتساقه مع قوله تعالى: “لا ينال عهدي الظالمين” [سورة البقرة، جزء من الآية 124]. ولهذا أعقب الله تعالى دعوته بقوله تعالى: “قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبيس المصير” [سورة البقرة، جزء من الآية 126]. ومهما تكن القيمة المعرفية لأقوال المفسرين في معنى إمتاع الله تعالى الكافر بمتاع الدنيا[4]؛ فإنه متاع قليل مقارنة بما هيأه الله تعالى من متاع للمؤمن في اليوم الآخر.
————————–
1. تتعدد أسباب الخوف: قد تكون الخوف من القحط؛ لأن الله تعالى أسكنه في بلد غير ذي زرع ولا ضرع، وقد تتجسد في الخوف من الخسف والمسخ، وقد تتمثل في الخوف من القتل. يراجع للتوسع الرازي، تفسير مفاتيح الغيب، ج 4، ص: 57.
2. ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير ج 1، ص: 715.
3. سيد قطب، في ظلال القرآن، المجلد 1، ص: 113-114.
4. قيل أمتعه بالرزق، وقيل أمتعه بالبقاء في الدنيا، وقيل بهما معا… الرازي، مفاتيح الغيب، ج 4 ص: 59.
-
بسم الله الرحمن الرحيم
كما عودتنا أستاذي الجليل مولاي اسماعيل الحسني موضوع مميز ,
اللهم ارزق المسلمين الامن والامان وجنبهم الفتن.وفقك الله لما يحبه ويرضاه. -
شكر الله لك يا أستادي الكريم ومؤطري المميز ما تقوم به من أعمال جليلة وكتابات رائعة وماتعة .
ونفع الله بك وبعلمك وزادك توفيقا وسدادا في اختيار المواضيع النافعة… -
يقول الحق سبحانه وتعالى: "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا"..
ومادام الله قد جعل أمنا، فما هي جدوى دعوة إبراهيم أن تكون مكة بلدا آمنا؟؟
نعم إذا رأيت طلبا لموجود، فاعلم أن القصد منه هو دوام بقاء ذلك الموجود..
دمتم ودام عطاؤكم..
كلام متين كالعادة لفضيلة الدكتور الحسني. -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك أستاذي الشيخ إسماعيل الحسني
صراحة، لو أمعنا النظر في جملة الأدعية الصادرة من نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام نجد أنها متعددة وكثيرة، زمن ضمنها طلب الأمن الذي به يرتفع الضرر والتعدي على الآخرين..
وبه تطمئن النفوس في خدمة دين الله وشرعه؛
بورك فيكم أستاذي
نورتونا بمواضيعكم الشيقة
جزاكم الله خيرا وزادكم من علمه
مع تحيات طالبكم الذي يحبكم -
بسم الله الرحمن الرحيم
أتقدم بخالص الشكر للأستاذ الفاضل العلامة إسماعيل الحسني على مواضيعه النافعة، والتي تمكن كل مسلم من الاستفادة فيما يتعلق بأمر دينه، وتمكن كل طالب علم من الإفادة من منهج الأستاذ في حسن عرض المعلومات وصياغتها صياغة جيدة، بأسلوب راق خال من التعمية والتعقيد.
والله تعالى نسأل أن يحفظ الأستاذ الكريم وأن يرزقه النجاح فيما يصبو إليه.
والسلام
التعليقات