الخطاب الشرعي والقواعد النسقية للتأويل.. (29)
2. الشرط:
يعتبر الشرط من المخصصات المتصلة، ومعناه “ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم بذاته“[1]، أي أن المشروط متوقف على حصول الشرط، وبانتفائه ينتفي المشروط، فخرج بهذا التعريف “المانع“ فإن انتفائه لا يقتضي شيئا، وخرج أيضا “السبب“؛ لأنه يلزم من وجوده وجود المسبب. وعليه فالعلاقة بين الشرط والمشروط علاقة استلزام مخصوص، إذ العدم يقتضي العدم، والوجود لا يقتضي وجودا ولا عدما.
ومن أدوات الشرط “إن” و ما كان في معناها و “إذا” و “لو“.
أما “إن“، فإن الغالب فيها الدخول على المحتمل[2] لا على المحقق، و “إذا” تدخل عليهما جميعا[3] وأما “لو” فتختص بالماضي[4].
وبناء على طبيعة التلازم بين الشرط والمشروط قسم الأصوليون الشرط إلى أربعة أقسام هي[5]:
أ. الشرط الشرعي: كجعل الإحصان شرطا لوجوب الرجم في الزنا والوضوء شرطا في الصلاة بقضاء الشرع.
ب. الشرط العقلي: “وذلك نحو الحياة التي هي شرط لوجود العلم والقدرة وجميع صفات الحي التي لا تحصل دون حصول الحياة، ويجب انتفاؤها بنفيها، ولا يجب حصول العلم والقدرة بحصول الحياة“[6].
ج. الشرط العادي: ومثاله السلم؛ فإنه شرط في ارتقاء السطح، بحيث لا يتحقق الصعود إلا بوجوده أو ما يقوم مقامه بمقتضى العادة.
د. الشرط اللغوي: ويشمل ما وضعه أهل اللغة من التركيب المخصوص الدال على تعليق جملة على أخرى بأداة شرط، بحيث يكون المعلق هو الشرط، والمعلق عليه هو الجزاء كالصيغة التالية: “إن تأتني باكرا أكرمك“.
والشرط الذي يعتبر مخصصا للعموم ينحصر في الشرط اللغوي، أي كل ما كان في حكم اللسان ومفهومه، جاء في نشر البنود: “اعلم أن الشرط المذكور هو الشرط اللغوي، وهو المخصص المتصل لا الشرط العقلي كالحياة للعلم، ولا الشرعي كالطهارة لصحة الصلاة، ولا العادي كنصب السلم لصعود السطح، وإنما كان الأول لغويا لأن أهل اللغة وضعوا نحو “إن دخلت الدار فأنت طالق” يدل على أن ما دخلت عليه “إن” هو الشرط، والآخر المعلق عليه هو الجزاء(…)، وإنما خص الكلام هنا بالشرط اللغوي لأنه المخصص المتصل، إذ غيره لا يكون إلا منفصلا وإن كان قد يخصص…”[7]. ومقتضى المثال السابق أن الإكرام مختص بالمجيء باكرا، فليس عاما في جميع الحالات، بل قصره المتكلم على حالة واحدة فقط هي المجيء باكرا، وذلك بمقتضى الشرط.
والقرآن الكريم زاخر بالأساليب الشرطية، ومثال ذلك قوله تعالى: “فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما ءَاتيتم بالمعروف” [البقرة، 231]، والمقصود أنه لا جناح على الآباء الذين يريدون تعيين مراضع غير الأمهات لأولادهم، شرط إيتائهن أجرتهن بالمعروف، فجاء الشرط هنا مخصصا لعموم نفي الحرج…
يتبع في العدد المقبل…
————————–
1. شرح تنقيح الفصول، ص: 262.
2. كقولك: إن جاءك زيد فأكرمه، فإن المجيء قد يتحقق وقد لا يتحقق.
3. كقولك، إذا طلعت الشمس فائتني، أو قولك: إذا جاء زيد فأكرمه.
4. ومثاله، لو جاءني زيد أمس لأكرمته اليوم.
5. انظر التقريب والإرشاد، 3/157 وما يليها.
6. نفسه، 3/157.
7. نشر البنود، 1/252.
أرسل تعليق