الخطاب الشرعي والقواعد النسقية للتأويل.. (28)
“إن إطلاق الكلام بغير استثناء في الجملة الأولى متيقن، فلا يجوز أن يُخرجه عما يقتضيه إطلاقه إلا بيقين، والذي يتيقن رجوع الاستثناء إلى الجملة التي تليه، فوجب صرف الكلام إلى الذي يليه عن إطلاقه، وبقي الباقي على حكمه“[1].
ما ذهب إليه أهل اللغة من اعتبار القرب في مواطن منها اجتماع عاملين على معمول واحد، فإنه يعتبر القريب[2].
أن رجوع الاستثناء إلى جميع الجمل يلزم عنه أمران مردودان هما: كثرة الإضمار وهو خلاف الأصل، وكذلك اجتماع عوامل كثيرة على معمول واحد وهو ممنوع عند سيبويه[3].
تلك أدلة القولين باختصار، ولقد كانت محل تأمل وفحص الإمام أبي عبد الله القرطبي، الأمر الذي جعله يحكم عليها بالتكافؤ من حيث القوة، ومن ثم يتعين التوقف لأن المسألة تحتمل وتحتمل ولا دليل يرجح أحد الاحتمالين. يقول القرطبي بعد أن بين سبب الخلاف في القضية: “والأصل أن كل ذلك محتمل ولا ترجيح، فيتعين ما قاله القاضي من الوقف، ويتأيد الإشكال بأنه قد جاء في كتاب الله عز وجل كلا الأمرين، فإن آية المحاربة فيها عود الضمير إلى الجميع باتفاق، وآية قتل المومن خطأ فيها رد الاستثناء إلى الأخيرة باتفاق، وآية القذف محتملة للوجهين، فيتعين الوقف من غير مين“[4].
غير أن القول بالوقف هنا لا يعني ترك المسألة دون حسم أو فصل، وإنما المقصود به أنه يلزم البحث عن أدلة أخرى أقوى في الترجيح، وهذا ما عناه ابن رشد بقوله: “فالأظهر في مثل هذا أن يتوقف حتى يدل الدليل من قرينة حال أو غير ذلك على الذي إليه يعود الاستثناء“[5].
يتبع في العدد المقبل…
———————
- إحكام الفصول، ص: 190.
- شرح تنقيح الفصول، ص: 251.
- نفسه، ص: 251.
- الجامع لأحكام القرآن، 12/180.
- الضروري في أصول الفقه، ابن رشد، ص: 116.
أرسل تعليق