الحركة العلمية في عصر السعديين.. (7)
وعلى ذكر المرأة لا ينبغي أن ننهي الكلام في هذا الفصل حتى نُشير إلى ظاهرة حَريَّةٍ بالتَّسجيل في ميدان النشاط النسوي المغربي ألا وهي مساهمة المرأة في الحكم والسياسة أواخر أيام بني وطاس، وأول عهد السعديين، إذ شاهد الناس لأول مرة على دَستِ الحكم في مدينة تطوان السيدة عائشة بنت علي بن راشد، وهي سيدة من بيت شريف فإن والدها السيد علي بن راشد كان شخصية لامعة في الجهاد، وترأس بناحية غُمارة واختط مدينة شفشاون بقصد تحصين تلك الناحية من نصارى سبتة، وكانت ابنته هذه التي اشتهرت بالحُرة ذات ذكاء ودهاء ومعرفة وسياسة، تزوجت بالسيد المنظري الصغير حاكم مدينة تطوان وحفيد القائد أبي الحسن المنظري الكبير مُجدد بنائها وحاكمها الأول. فلما توفي زوجها تولت هي حكم المدينة وضبطتها أحسن ضبط، ثم تزوجها السلطان أحمد الوطاسي وبنى بها في تطوان في شهر ربيع الأول سنة 948.. ونجحت في السفارة السيدة سحابة الرحمانية والدة عبد الملك المعتصم بطل معركة وادي المخازن؛ فإنها كانت أول من أبلغ بشارة فتح تونس إلى السلطان العثماني بالقسطنطينية وطلبت منه كمكافأة لها على ذلك مساعدة ابنها بجيش الجزائر على استعاذة ملك والده، فأجاب طلبها، الأمر الذي لم ينجح فيه عبد الملك نفسه من قبل..
وفي الميدان الحربي أثبتت السيدة مريم أخت عبد الملك هذا كفاءتها في قيادة ثلاثة آلاف جندي من الرماة تركهم أخوها بمعيتها في قصبة مراكش فامتنعت بها على ابن أخيهما محمد أثناء انتزاع ملك والدهما منه. ولم يكن نبوغ المرأة المغربية في هذا العصر قاصرا على الناحية السياسية والحربية فقد اشتهرت في ميدان العمل الاجتماعي السيدة مسعودة الوزتيكية والدة المنصور الذهبي، ومن منشأتها الخالدة بمراكش المسجد الجامع بباب دكالة منها، وجسر وادي أم الربيع، وغير ذلك من أعمال البر والإحسان الكثيرة واشتهرت بالعلم والتقوى والصلاح السيدة عائشة بنت أحمد بن عبد الله بن عمران والدة ابن عسكر المؤرخ السياسي المعروف. وكان لها في المجتمع المغربي مقام محترم جدا. على أن النساء من هذه الطبقة كثيرات في هذا العصر فلا نطيل بذكرهن..
يتبع في العدد المقبل..
عن كتاب النبوغ المغربي في الأدب العربي تأليف العلامة عبد الله كنون الجزء الأول، ص: 245-246 دار الثقافة.
أرسل تعليق