الحج مؤتمر الإسلام
الحج مؤتمر المسلمين العام، دعا الله سبحانه وتعالى، إليه أبناء أمة الإسلام من جميع أقطار الدنيا، على اختلاف ألسنتهم وألوانهم، وتباعد أمكنتهم واختلاف عاداتهم وتخالف لغاتهم، ليتصافحوا على المحبة والوداد، ويتألفوا على العباد، ويقفوا سواسية أمام الله تعالى في صعيد واحد، على دين واحد، لعبادة رب عزيز واحد، في زي واحد، ومظهر واحد، وغرض واحد، ليكون ذلك أبلغ وأعمق في تعارفهم، وأعون على تآلفهم، وأحكم في تعاونهم، وأدعى إلى توثيق صلة القربى فيما بينهم.
في أشرف بقعة من بقاع الدنيا، وفي خير أرض الله وأحب أرض الله إلى رسول الله، يوجد أول مكان أعده الله تعالى لعبادته، وطهره للطائفين والعاكفين في أهل محبته، مأمن الخائفين أجمعين، وهداية السلف الصالحين والخلف اللاحقين إلى يوم الدين، منه أشرقت شمس الإسلام، وفيه ولد وبعث محمد، عليه الصلاة والسلام، وحوله درج وعاش خلفاء الإسلام وهداته الأعلام.
وفي ذلك المكان الطاهر غار حراء متعبد الرسول، ومهبط الوحي… وهناك على جبل عرفات وقف رسول الله، وإلى جانبه صحابته الأبرار وقومه وعشيرته ومن حولهم وفود الحجاج ينصتون إليه في آخر خطبة في آخر حجة حجها، ويشهدهم على أنفسهم أنه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة قائلا لهم:
“ليبلغ الشاهد منكم الغائب”، ثم يُشهد الله آخر الأمر أنه قد بلغ فيقول: “اللهم إني قد بلغت فاشهد”.
هناك في تلك البقعة الطاهرة، وفي ساعة الموقف المشهود، يقف حجاج بيت الله الحرام كاشفي الرؤوس، خاشعي النفوس، متجردين من مخيط الثياب شعتا غبرا، رافعين أكف الضراعة إلى خالقهم، سبحانه وتعالى، مادين إليه الافتقار ضاجين بالتلبية، باكين ذنوبهم، منيبين إلى ربهم خائفين.
هناك يباهي الله ملائكته بعباده المؤمنين الخاشعين وقد خرجوا من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم مصداقا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه”.
جريدة ميثاق الرابطة، العدد 862 الخميس 7 ذو الحجة 1419هـ الموافق 25 مارس 1999، السنة الواحد والثلاثون.
أرسل تعليق