بالتفاعل الإنساني يلتقي الماضي والحاضر والمستقبل
قد يبدو الكلام الذي أسطر عند البعض بغير ذي معنى ولا طعم، أو هو خيال غريب لم تسمع به الإنسانية حتى في أساطير الأولين، لكن علينا أن نحول الألغاز إلى أشياء حقيقية، لأن هذا الكون ينطوي على أشياء غريبة، كانت في غياب تام عن الأجيال السابقة، لكن عندما بدأ الإنسان يتأمل ويبحث في طبائع الموجودات، تجلت له دلائل كثيرة توضح ما غاب عن المدارك، وما أكثر ما يغيب عن الإحساس والأسماع والأبصار والأفئدة..
وحتى لا يختلط الحابل بالنابل، وننساق وراء أوهام من الشك في قدرة الإسلام والخوف من تطبيق مبادئه السمحة، لنبقى في غيبوبة الشعور بالدونية واحتقار أنفسنا، لكن بالحب لهذا الدين والإيمان بجدواه نجد طريق التصحيح والتغيير، ونثبت للأعداء قبل الأصدقاء أن مسيرتنا كفاح وصفاء في نفوسنا وبالحب والإيمان نبني صرح أمتنا، ونحن المسلمون أولى من غيرنا أن نمارس دورنا لتحرير الإنسان من القيود التي شلت فعاليته، والتي ترهبه فيتردد وتخيفه فيتقوقع، علينا أن نعي دورنا في الحياة إذا أردنا أن نعيش الند للند مع الآخرين في عالم الغد المتسارع الخطى، ومواكبة العصر التي تعيشه الإنسانية بقضاياه وهمومه وأحداثه، والمطلوب اليوم عمل سريع حاسم لتخطي الواقع الراهن، وإذا أردنا أن تتمكن الأمة من كرامتها فلابد من التنسيق للمواقف والتضامن.
فالحضارة تحتاج إلى دين وأن حياتها أو موتها يتوقفان على ذلك، ومن عاش في غربة وضياع وفراغ روحي يحاول أن يحول أزمته إلى اقتلاع دينه، وطمس الهوية الإنسانية وصدق الله العظيم إذ يقول: “ذلك قولهم بأفواههم يضاهون به قول الذين كفروا قاتلهم الله أنى يوفكون” [التوبة، 30]. فمن أظهر الأدلة على سماحة الإسلام وكفالته لحرية العقيدة هو عدم الإكراه والإعنات فيها، وبالاعتماد على الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، بتنسيق محكم للعمل الإسلامي لتتحقق من خلاله صلات دائمة أقوى بيننا وبين سائر خلق الله في هذه الأرض، حتى يؤمن الجميع بمصير مشترك ويدرك الكل أخطار الحاضر والمستقبل، وجدير بمن يحرص على رعاية العقل الإنساني وتنويره، في نشر دعوة السلام والتسامح بما يفيد الأجيال المتطلعة والتي تعاني من قسوة الحياة والتي تعطي أكثر مما تأخذ.
علينا أن نكون مع الأصدقاء والخلان والأصحاب، كنسيم المروج، نرحب بالآخر ضيفا كريما معززا حتى يشعر هذا الضيف كأنه في بيته، وبهذا نعلن للدنيا أن صفحات قلوبنا وضاءة منيرة مطعمة بسماحة الإسلام، فالهدف هو تقديم هذا الدين العالمي بمحاولة جادة وعرضه على الناس بمقاييس واضحة المعالم، ولا ينبغي أن نبقى قبل غيرنا العقبة الأولى أمام دين عظيم، كما أن المدافع عن الإسلام لا ينقصه الحماس والإخلاص غالبا، وإنما ينقصه عمق التجربة وحسن الفقه.. وحسبنا أن ثواب الله في كلمات تقال ومظاهر تقام، إن دين الله لا يقدر على حمله وتبليغه وحمايته الفاشلون في مجالات الحضارة الإنسانية الذكية العاقلة، كما أن العزلة عن الكون وعلومه جريمة في حق الإسلام وعلومه، وتأييد الحق الذي شرف الله به المسلمين لا يتم بالقصور العلمي. فمن المستحيل إقامة مجتمع إنساني ناجح الرسالة إذا كان حملته جهالا بالدنيا عجزة في الحياة.
ورغم الواقع المر هناك نداء، إنه نداء الماضي والمستقبل والحاضر، والسؤال المطروح ترى هل يمكن أن يلتقي الماضي والحاضر والمستقبل في هيئة ما؟، ذلك أمر ليس بمستغرب عندما تنصب همم الرجال وعزائمهم في تيار واحد، تيار الخير، وفي عمل إنساني جماعي فعال، يقوم على التقوى وحب الخير، وفي إيمان الرجال الجادين المتقين وإرادتهم وعزائمهم وتصميمهم يلتقي الماضي والحاضر والمستقبل، ليتم التفاعل الإنساني بيننا وبين الآخر، وليكون في نفس الوقت تعبيرا عن عظمة الإسلام السرمدي وصلاحه لكل زمان ومكان، ولينبثق ميلاد عصر جديد من التعارف والتشارك البشري لصالح الجميع.
والله من وراء القصد
أرسل تعليق