Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

٪ تعليقات

التربية البيئية من خلال القرآن الكريم

هل الأرض كائن حي؟

كنت أبحث عن جواب علمي مقنع ينطلق من تصور إسلامي لفك لغز هذا السؤال الذي شغلني كثيرا. ولم يهدأ تفكيري إلا بعد إن التقيت بالأستاذ القدير الدكتور أحمد الحطاب، الذي أهداني نسخة من كتابه المفيد الممتع “القرآن الكريم وأزمة البيئة والتنمية”، الذي تناول فيه بمنهج الباحث ذي الخبرة الدولية في مجال البيئة كيفية المحافظة على الأرض، وصيانتها انطلاقا من القرآن الكريم.

والكتاب في مجمله يقصد التأكيد على أن أغلب الأفكار والنظريات التي جاء بها المفكرون المعاصرون في مجال البيئة، أو التنمية المستدامة، أو التنوع البيولوجي، أو مفهوم التوازن، أو علاقة الإنسان بالبيئة متضمنة بطريقة أو أخرى في كتاب الله العزيز.

وقد أحببت في هذا العدد من جريدة “الميثاق” الغراء إشراك القراء الأفاضل ـ بمناسبة احتضان بلادنا الاحتفال بيوم الأرض والبيئة ـ في الوقوف على المبادئ الإجرائية التي اقترحها الأستاذ الحطاب من أجل تنمية مستدامة تنسجم والتعاليم الإسلامية، وذلك قصد توطيد الروابط بين الإنسان والكون وخالقهما.

وفيما يلي عرض مختصر لهذه المبادئ الثمانية:

المبدأ الأول: من شمولية البيئة إلى وحدة الكون، انطلاقا من قوله تعالى: “ما خلقنا السموات والاَرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى”، [سورة الاَحقاف: من الآية 3].

أشار المؤلف إلى أن عديد من الآيات القرآنية تشير إلى وحدة الكون، الذي هو من صنع خالق واحد سبحانه وتعالى.

وقد تم اختيار “وحدة الكون” في المنظومة الدولية كأول مبدأ للتنمية المستدامة. وهذا يعني أن الإنسان عندما يريد أن يتعامل مع البيئة ليحقق أغراضه التنموية، عليه أن يعتبرها كوحدة مترابطة الأجزاء. وحتى إن جزأها على مستوى التفكير ليتعرف عليها، فعمله داخلها يجب أن يكون متطابقا مع الشمولية ومبنيا على احترامها.

وهكذا فحين يشير القرآن الكريم إلى وحدة الكون فهو يشير ضمنيا إلى شمولية البيئة، وما على الإنسان إلا أن يتأمل جيدا الخطاب القرآني ويتأمله بعمق حتى يدرك أسراره وحكمه وأحكامه.

المبدأ الثاني: الفطرة، انطلاقا من قوله تعالى: “فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون”، [سورة الروم، الآية: 29].

يمكن إعطاء مدلول علمي للفطرة حيث يمكن القول: إن هذه الفطرة يقابلها على مستوى الكائن الحي توفره على مؤهلات بيولوجية وفزيولوجية تجعله قادرا على إقامة علاقات متوازنة ومتبادلة مع الوسط الذي يعيش فيه. ومن هنا لا بد من الإشارة إلى أن أبسط المخلوقات الحية لها نظام بيولوجي وفزيولوجي معقد يؤهلها لأن تكون فريدة من نوعها، ولكن في نفس الوقت أن تكون جزءً من النظام البيئي ككل وتساهم في استمرار توازنه.

وإذا كان الإنسان مهيأ فطريا للحياة على الأرض، فهذه الأخيرة، أي البيئة بمعناها الشمولي، مهيأة هي الأخرى لتستقبله وتبادله العطاء. فالفطرة تقتضي بأن يحترم الإنسان البيئة. وباحترامه هذا فإنه يحترم كذلك التناسق والتناغم اللذين سنهما الله بينه وبينها.

المبدأ الثالث: الاستخلاف، انطلاقا من قوله تعالى: “وهو الذي جعلكم خلائف الاَرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما ءـاتاكم “. [سورة الاَنعام، من الآية 164].

الاستخلاف أمانة مودعة بين أيدي الإنسان، تحتم عليه أن يكون حافظا لثروات الأرض وأن لا يعثى فيها فسادا. وإذا طبق الإنسان مبدأ الاستخلاف في تعامله مع البيئة، فإنه يكون قد امتطى السبل التي رسمها له الله وعبد طريقه نحو تنمية مستدامة حقيقة.

المبدأ الرابع: الميزان، انطلاقا من قوله تعالى: “الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان”. [سورة الشورى، من الآية: 17].

ويقصد به الوضع الوسط الذي يسود مكونات الكون والذي بفضله تعمل وتتفاعل هذه المكونات وتقوم بينها علاقات متوازنة.

ولا سبيل للحياة إذا لم يكن هناك توازن في نظام الترابط البيئي.

المبدأ الخامس: المقدار، انطلاقا من قوله تعالى: “إنا كل شيء خلقناه بقدر”.[سورة القمر، الآية:48].

أي أن الله تعالى عندما خلق مكونات الكون راعى في خلقها الكم والكيف ضمانا للتوازن والتناسق. وهذا يعني أن  هذه المكونات تتواجد في البيئة حسب كميات متفاوتة وأشكال مختلفة.

وإن تفاوت الكم بين مكونات البيئة يلعب دورا مهما في الحفاظ على توازنها.

المبدأ السادس: تنوع الخلق، انطلاقا من قوله تعالى: “سبحان الذي خلق الاَزواج كلها مما تنبت الاَرض ومن اَنفسهم ومما لا يعلمون”. [سورة يس، الآية: 35].

كلما تنوعت أشكال الحياة كلما كانت للنظم البيئية قدرة عالية على مقاومة التغيرات التي تحدث بها طبيعيا أو من جراء تدخل الإنسان. وهذا يعني أن هذه النظم البيئية تستعمل تنوع الخلق كوسيلة للحفاظ على وضعها الفطري، أي على توازنها الطبيعي.

المبدأ السابع: حراسة الأرض، انطلاقا من قوله تعالى: “ثم جعلناكم خلائف في الاَرض من بعدهم لننظر كيف تعملون”. [سورة يونس، الآية: 13].

عوض أن ينصب الإنسان نفسه سيدا على الأرض، عليه أن يتذكر أن الله تعالى استخلفه عليه ليقوم بحراستها وصيانتها، والدليل على ذلك أنه فضله على الكثير منن المخلوقات وزوده بالعقل والذكاء والفطنة ليقوم بهذه المهمة أحسن قيام.

المبدأ الثامن: التسبيح، انطلاقا من قوله تعالى: “وما خلقنا السماء والاَرض وما بينهما لاعبين”. [سورة الأنبياء، الآية: 15].

عندما يكون الكائن الحي يؤدي مهامه؛ فإنه في نفس الوقت ينفع نفسه، وينفع الكائنات الأخرى.

وعندما يؤدي هذا الكائن الحي مهامه؛ فإنه يخضع لخالقه الذي أناطه بهذه المهام، وهو بذلك ينخرط في التسبيح لمولاه عز وجل. والتسبيح خضوع، وهو يقتضي من المسبح الانصياع لأوامر المسبح له وتطبيق أوامره سبحانه وتعالى بما فيها المحافظة على البيئة وعدم الإساءة إليها.

إن هذه المبادئ الثمانية ـ كما شرح ذلك الأستاذ أحمد الحطاب وبينه في كتابه ـ تحفيز للإنسان للتأمل في وحدة الكون، مستعملا فطرته ليقوم بمهمة الاستخلاف أحسن قيام، واضعا في الحسبان أنه لن يتمكن من إدراك هذه الوحدة إذا تجردت تصرفاته داخل البيئة من مبادئ الميزان والمقدار وتنوع الخلق. حينذاك يمكن القول كذلك أن الإنسان باستجابته لأوامر الله تعالى بسلك ما رسمه له من سبل يكون كذلك قد استجاب لمختلف النداءات الداعية إلى انخراط المجتمع البشري في التنمية المستدامة.

التعليقات

  1. هلاوي سعيد

    بارك الله فيك أستاذنا الفاضل مولاي مصطفى
    ما أحوج الفكر الإسلامي اليوم إلى إعادة تأسيس الثقافة الإسلامية على ضوء متغيرات العصر وحاجات الإنسانية فيه انطلاقا من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وأخذا بعين الاعتبار التصنيفات الدولية للموضوعات والعلوم، حتى يواكب هذا الفكر التحديات التي تواجهه البشرية على مستوى البيئة والتنمية وغيرها من المستويات، ويعرف العالم بسبق القرآن الكريم إلى معالجة هذه التحديات..

  2. مولاي المصطفى الهند

    شكر الله لك أستاذنا الفاضل أحمد ديدي

    ما ذكرته عين الصواب. ولعل الحديث الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الدنيا حلوة خضرة. وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون" (رواه مسلم) فيه إشارة واضحة إلى تحمل الإنسان كامل المسؤولية تجاه محيطه ومجاله البيئي.
    مولاي المصطفى الهند

  3. أحمد ديدي عضو المجلس الاكاديمي للرابطة

    الإسلام أعطى للإنسان الذي هو أحد مخلوقات الله تبارك وتعالى دور القائد المسؤول عن باقي المخلوقات لقدرته على السيطرة عليها بعقله، فسخرها له وجعله قادرا عليها ومسؤولا عن رعايتها.
    لذلك فالإنسان مسؤول عن حماية الأرض، نظرا لما أحاط بهذا الكون من أضرار وسوء استعمال حصلا للبيئة الطبيعية، والإسلام جعل هذا الإنسان حارسا على ممتلكات الأرض، فهو الراعي والمسؤول عن موجودات الكوكب الأرضي بكامله، والأستاذ مولاي مصطفى الهند كان موفقا في موضوعه، الذي تناول التربية البيئية من خلال القرآن الكريم.
    وأخلاق الإسلام وقيمه توجب عليه أن يساهم في توعية الأفراد والجماعات بضرورة الاهتمام بالبيئة بشكلها الكلي، وبما تعانيه من مشكلات، وليساهم الجميع في إعطاء البيئة حرمتها واحترامها، ولمنع الاستغلال السيء لمصادرها، فاذا لم يكن الإنسان صالحا مهما فرض من عقوبات على من يلوث المياه أو يحرق الغابات أو يعبث بالمقدرات الطبيعية فإنها لا تكفي.
    والإسلام يأمرنا بتغيير مفهوم الإنسان نحو بيئته لكي يعي أهمية العلاقة التي تربطه بهذه البيئة، فقبل خمسة عشر قرنا كان في صميم الفكرالاسلامي، ومعتقداته توجه لاحترام موجودات البيئة وحسن التعامل معها، فالرسول صلى الله عليه وسلم كما يروي أصحاب السنن، كان يوصي وخلفاؤه الراشدون من بعده، يوصون الجيوش المتجهة للفتوحات لحماية موجودات البيئة: (لاتقتلوا شاة ولا تحرقوا زرعا ولا تقطعوا شجرة).
    ولو أحسن الإنسان التصرف لما كان هناك تلوث ولا زحف للصحراء، ولا انقراض للحيوانات والطيور، ولا انتشار أمراض، ولا تدهور للمراعي الطبيعية، ولا إتلاف للتربة الزراعية، ولا إبادة للغابات وحرقها، ولا هجرة من البادية إلى المدن ولا تدمير للمنتزهات والمناطق السياحية، ولا انقراض للحيوانات والنباتات.

أرسل تعليق