الإنسان المعاصر بين عولمة الاقتصاد وعولمة القيم.. (4)
تركيز دعاة العولمة على نشر القيم المرتبطة بالاستهلاك كما حددوه
أصبح الاستهلاك فضاء للإنتاج الثقافي، وقد استثمر دعاة العولمة هذا المجال لنشر ثقافة وقيم الاستهلاك، وتقديم نموذج المستهلك الكوني، وتوسلوا بما تقدمه وسائل الاتصال الحديثة.
لقد أنشأت العولمة صورا جديدة من الاستهلاك، وتولى دعاتها توجيه وتأطير المجتمعات من هذا المنظور، وهكذا وضعوا صيغا ونماذج موحدة عبر العالم، فهناك أنماط موحدة للأسواق، وهناك صور موحدة للتبادل النقدي عبر البنوك. وترتب عن هذه الأساليب انعكاسات أحدثت تحولات عميقة، في نمط الاستهلاك.
فالأنماط الموحدة للأسواق ترتب عنها تجانس في الطلب، والتجانس في الطلب ترتب عنه:
1. تشابه في الأذواق؛
2. تشابه في الحاجيات؛
3. التقليد والمحاكاة والتنافس الاستهلاكي، واندثار وتلاشي الخصوصيات الثقافية لأنماط الاستهلاك الخصوصية؛
4. ظهور مفهوم طرائق الاستهلاك الجديدة..
1. تشابه الأذواق: تولد عن تنميط الأسواق وتوحيدها خلق تشابه في الأذواق، حيث أصبح المستهلك يسعى إلى اقتناء منتوجات تخضع لنفس الوصفات والمعايير باسم العصرنة والجودة. وقد لعبت وسائل الدعاية الإشهارية دور الموجه للرفع من ميل المستهلك لاقتناء هذه المنتوجات، كما لعبت وسائل الاتصال الحديثة دورا كبيرا في ترسيخ هذا التوجه عبر مختلف أنحاء العالم، حتى أصبح المستهلك عبارة عن قطعة شطرنج تتحرك على رقعة يمكن تحريكها بواسطة العلوم السلوكية والنفسية للتأثير عليه، والسيطرة على تقويمه للأشياء وقراراته، وكأن “المستهلك يتحول إلى شيء بلا إرادة منه” فلا عجب أن يصبح الذوق، كونيا من المشروبات الغازية إلى أنواع الملابس الجاهزة مرورا بأنواع السيارات[1].
2. تشابه في الحاجيات: إن انتشار الأساليب التجارية الجديدة أثرت في الأسلوب الاستهلاكي للمجتمعات، فلم تعد الحاجة عبارة عن مطلب للإنسان في اتجاه الموارد المتاحة له، وإنما أصبحت رغبة في الحصول على وسيلة من شأنها أن توقف إحساسا أليما أو تمنع حدوثه، أو تحتفظ بإحساس طيب وتزيد منه أو تنشئه، وكأن الإنسان يتكون من نسق بيولوجي عضوي فقط[2].
إن ظهور صور جديدة من التبادل النقدي أدى إلى تعميم مفهوم الحاجة دوليا، فإذا كان توحيد السوق قد أدى إلى توحيد الأذواق، فإن توحيد الأذواق نتج عنه تشابه في الحاجيات، بل وأضحى الناس يستهلكون أكثر من حاجياتهم في حالة التسوق في المحلات الضخمة، وشبكات التسوق عبر التلفزيون وعبر الفضاء الإليكتروني، وإلى صرف نقود لا يملكونها أصلا (في حالة بطاقة الائتمان) وإلى استهلاك سلع لا يحتاجون إليها، وتناول أطعمة تحت ضغط الدعاية والإعلان[3].
يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى..
——————————————–
1. فتح الله ولعلو، العلومة ومتطلبات التقدم، ص: 185، م. س.
أحمد زايد، عولمة الحداثة، ص: 18، م، س.
ضوابط حماية المستهلك من منظور الاقتصاد الإسلامي: عبد الله معصر، دراسة تحليلية لضوابطه العقدية والأخلاقية والتشريعية، ص: 107.
2. ضوابط حماية المستهلك، عبد الله معصر، ص: 108-110، م، س.
3. أحمد زايد، عولمة الحداثة، ص: 20، م,س.
أرسل تعليق