الإسراء والمعراج
حل شهر رجب الخير على الأمة الإسلامية من مغربها إلى مشرقها، وفي هذا الشهر يستعرض المسلمون أمجاد تاريخهم، ويستوعبون الدروس والعبر التي تحفزهم إلى العمل، ومواصلة الكفاح من أجل استرداد عزتهم وكرامتهم، كلنا يتذكر المؤمنون بكل اعتزاز ما خص الله به نبيهم محمدا عليه الصلاة والسلام من المعجزات، ومنها معجزة الإسراء برسوله صلى الله عليه وسلم، من مكة إلى بيت المقدس والعروج به إلى السموات العلا، وكان الإسراء رحلة بدأت من مكة إلى المسجد الأقصى، وإلى ذلك تشير سورة الإسراء، بقوله سبحانه وتعالى: “سبحان اَلذي أسرى بعبده ليلاً من اَلمسجد اِلحرام إلى اَلمسجد اِلاَقصى الذي باركنا حوله لنريه من اياتنا إنه هو اَلسميع البصير” [سورة الاِسراء، الآية: 1]. والآية الكريمة دلت على أن الإسراء كان من الأمور الخارقة للعادة، وأن الله تعالى هو الذي تولى هذه الرحلة بإرادته وقدرته، وأنه كان يقظة لا مناما وبالجسد والروح معا، وأما معجزة المعراج فهي رحلة سماوية بدأت من المسجد الأقصى بفلسطين إلى السماوات العلا إلى مكان تنقطع فيه علوم الخلائق، ولا يعرف أحد كنهه وسره، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى في سورة النجم: “ولقد رءاه نزلة اخرى عند سدرة اِلمنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى اَلسدرة ما يغشى مازاغ اَلبصر وما طغى لقد رأى من ايات ربه اِلكبرى” [سورة النجم، الآيات: 13-18].
وبعد أن يعود الموكب النبوي مودعا يمثل ما استقبل به، يعود الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بيته، وما أن يصبح الصباح، حتى يهم الرسول صلى الله عليه وسلم، أن يخبر الناس بما رآه في ليلته البارحة، فيقابله أبو جهل، ويقول له كما كانت هي عادته إذا رآه:
– هل حدث شيء الليلة؟
فيقول عليه الصلاة والسلام:
– أسري الليلة بي إلى بيت المقدس.
فيقول أبو جهل متعجبا ساخرا:
ثم أصبحت بين أظهرنا، وحينما يعلم أبو بكر رضي الله عنه، برحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: إنه صادق فيما يقول، فيقولون له: يا أبا بكر أيستسيغ عقلك ما يقوله محمد؟
فيقول رضي الله عنه: كيف لا..؟ وأنا أصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه في خبر السماء، أفلا أصدقه في أنه أسري به الليلة من بيت الله الحرام إلى بيت المقدس.
وتمادى كفار قريش في لجاجهم وحوارهم، ويسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم، في جفاء ومكابرة عن بيت المقدس، ومنهم من كان رآه، وظنوا أنهم بأسئلتهم التعجيزية سيوقعون رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحرج، ولكنه صلوات الله وسلامه عليه، وهو المؤيد من قبل ربه، قد وصف لهم بيت المقدس وصفا كاملا في غاية الدقة، وأخبرهم عن آياته يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: فجعلت أخبرهم عن آياته، فالتبس علي بعض الشيء فجلى “الله” لي بيت المقدس ثم جعلت أنظر إليه وأنعته لهم، فقالوا: أما النعت فقد أصاب، ثم قالوا: أخبرنا عن عيرنا فهي أهم إلينا، هل لقيت منها شيئا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نعم مررت بعير بني فلان وهي بالروحاء وقد فقدوا بعيرا لهم وهم في طلبه، وفي رحالهم قدح من ماء فأخذته وشربته ووضعته كما كان، فاسألوا هل وجدوا الماء في القدح حين رجعوا؟ وقالوا: هذه آية، ثم أخذوا يسألونه عن العدة والأحمال ودقائق الملابسات فوصفها أكمل وصف، وقال لهم: تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس وفيها فلان وفلان يقدمها جمل أورق عليه غرارتان محيطتان، قالوا: هذه آية أخرى.
لكن مع وضوح هذه الأدلة والآيات فقد لج القوم في عنادهم ولم يصدقوا تلك المعجزة الواضحة، فقد طمس الله على أبصارهم وبصائرهم، قال الله تعالى: “ومن لم يجعل اِلله له نورا فما له من نور” [سورة النور، جزء من الآية: 40].
إن الإسراء والمعراج ليس معجزة خاصة بتأييد دعوة محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، وإنما المعجزة الكبرى التي تحدى بها القوم هي القرآن الكريم، أما هذه المعجزة فهي إحدى الخوارق، وفي نفس الوقت تكريم، لخاتم النبيئين الرسول محمد عليه الصلاة والسلام.
ويرحم الله شاعر العلماء الإمام البصيري الذي قال في البردة عن حادث الإسراء والمعراج:
سيرت من حرم ليـلا إلى حـرم كما سرى البدر في داج من الظلم
جريدة ميثاق الرابطة، العدد 799، الخميس 12 رجب 1418هـ الموافق 13 نونبر 1997م، السنة الثلاثون.
أرسل تعليق