الأمة بين فكر الأزمة وأزمة الفكر
يلاحظ المتأمل في أحوال الأمة أن أغلب الدراسات تعاملت مع الأزمة التي ألمت بها كأنها أزمة ثقافية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، ولم تتعامل معها على أنها أزمة أمة! ولهذا فإن معالجتها لها لم تزد عن الظاهر من الأسباب دون التعمق والغوص في حقيقتها.
وقد أضحى من الضروري تجاوز هذه النظرية السطحية ومحاولة ملامسة بعض الأسباب التي يمكن اعتباراها جوهرية وأساسية وراء الأزمة الفكرية الحديثة والمعاصرة، والتي يمكن اختصارها وحصرها في ستة أسباب عامة:
• أولها: إغفال قانون التجديد النبوي وإقصاؤه، والركون إلى التقليد والإتباع الأعمى، وغياب الاجتهاد والتجديد، حتى صدق في الأمة قول الشاعر:
نهايــــة إقـــــدام العقـــــول عقــال وأكثـــر سعــي العالميــن ضـــلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنـا وحاصل دنيـــانـــــا أذى ووبــــــــال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنـا سوى أن جمعنـــا فيه قيل وقالـوا
• ثانيها: الاشتغال بالأمور الجانبية عن الأمور والقضايا الكبرى، فتم التركيز على مظهر الإسلام دون جوهره، وعلى تقويم الشكل الخارجي للحياة الإسلامية دون اهتمام ورجوع إلى أصلها وجوهرها؛
• ثالثها: العجز عن حسن التعامل مع منظومة القيم الإسلامية وتسخيرها للإنتاج الفكري الرابط بينها وبين أهدافها والمنزل لها على الواقع الإنساني عبر خطاب سلس ومتفتح على الكون، يدوي صداه في عالم الأفكار، مستصحبا الرؤية القرآنية، ومالكا لقدرات العطاء المتجدد المجرد عن حدود الزمان والمكان لرسم الحياة البشرية وتقديم المرجع والزاد لكل مشكلة الإنسانية، كما أشار إلى ذلك الأستاذ طه جابر العلواني في كتابه “إصلاح الفكر الإسلامي”؛
• رابعها: تجنب النقد الذاتي وعدم الاعتراف بالفشل في قضية ما، وخاصة أن أغلب هذه القضايا أمور اجتهادية تحتمل الصواب والخطأ بقدر اجتهاد أصاحبها فيها. ويرجع السبب في هذا -كما يؤكد الأستاذ محيي الدين عطية في كتابه “مدخل إلى الأزمة الفكرية”- إلى الظن من أن ذلك نوع من الحط من قدر الإسلام، لاختلاط المبدأ بالشخص، وصعوبة الفصل بين فشل الشخص المحاول وبين المبدأ الذي لا علاقة له بنشاط الفرد.
ويرحم الله الإمام مالك حين قال: “إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب السنة فاتركوه”. وهو القائل أيضا عقب ما اجتهد فيه: “انظروا فيه؛ فإنه ديـن، وما من أحد إلا مأخوذ من كلامه ومردود إلا صاحب هذه الروضة”، ويقصد بها قبر الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام؛
• خامسها: قدسية الموروثات والتقاليد والأعراف، وإضافتها إلى جوهر الدين، مما جعل حال الأمة الإسلامية المعاصر ينساق عبر متاهات يصعب الخروج منها، وهذا ما سيعرقل عملية التجديد. وبهذا الرأي قال ثلة من الباحثين كالأستاذ الأستاذ حسن الترابي الذي اعتبر أن مجتمعنا يقوم بمفهومات وأعراف وصور تقليدية، ويؤمن أنها تمثل الدين، ويغار من أدنى مساس بها. وعندما نحاول تجديد الدين، وتبديل صورة الحياة الإسلامية الموروثة، فمؤكد أن يثور المجتمع التقليدي بتصوراته وأوضاعه وما عهد من مذاهب وطرق..
• سادسها: إبعاد العلماء عن مراكز التوجيه والقرار والسلطة، وإقصاؤهم من الحياة السياسية والاقتصادية، فتقلص دورهم حتى أصبح مقتصرا على الإشراف على الأوقاف وخطب الجمع والوعظ والإرشاد..!! وكأنه لا علاقة للعلماء بأحوال الأمة خارج المساجد، فتعطلت الحراسة بثغورها الحساسة، مما يسر دخول تيارات الهدم من تبشير وصهيونية وشيوعية وعلمانية وتغريب وفوضوية، وغيرها من المعاول التي قسمت ظهر الأمة الإسلامية..
لا يختلف اثنان فيما أصاب الأمة من علل وأمراض، ولا يختلف اثنان كذلك في أن هذه الأمة القوية في شريعتها وحضارتها، والتي أصابها ما أصابها من وهن وضعف، تحتاج إلى تشخيص عميق للأدواء يمكن من وصف دواء ناجع بنفس نجاعة الأمة وفعالية وقوتها لتستعيد عافيتها وحيويتها وخيريتها.
-
شكر الله لكم أستاذنا الفاضل هذه التجربة التحليلية
وكم نحن بحاجة ماسة إلى التركيز على النقطة السادسة والمتمثلة في إبعاد العلماء عن مراكز التوجيه والقرار والسلطة، وإقصاؤهم من الحياة السياسية والاقتصادية، فتقلص دورهم حتى أصبح مقتصرا على الإشراف على الأوقاف وخطب الجمع والوعظ والإرشاد..!!
وكأنه لا علاقة للعلماء بأحوال الأمة خارج المساجد، فتعطلت الحراسة بثغورها الحساسة، مما يسر دخول تيارات الهدم من تبشير وصهيونية وشيوعية وعلمانية وتغريب وفوضوية، وغيرها من المعاول التي قسمت ظهر الأمة الإسلامية..وأحسن الله إليكم
التعليقات