ابن القطان – المشيخة (56)
هذا هو الجزء السادس والخمسون من هذه المقالات عن ابن القطان، وهو تتميم لما سبق من الكلام عن مشيخته. وتلك سلسلة أعرض فيها من وقفت له منهم على رواية جملة من دواوين العلم، أو ذُكر له شيء من التآليف في، ومن جملة أغراضي من ذلك: استعمالُه بعد الفراغ من جمعه في مناقشة كلام قيل عن ابن القطان، من كونه أخذ الحديث مطالعة. ولست ألتزم هنا بنسق معين في عرض هذه المشيخة، وإنما أجلب منهم من آنَسُ من نفسي أني استفرغت وسعا في جمع مادة ترجمته.
إبراهيم بن محمد بن فارس أبو إسحاق الشاعر الكانمي (تـ 608 أو 609 هـ)
[القسم الأول]
هو أحد شيوخ ابن القطان فيما ذكره ابن عبد الملك ووقف عليه بخط الأول[1]، ولم يُعَين ما أخذه عنه، والظاهر من حال الكانمي أن ما أخذه عنه ابن القطان إنما هو شيء من آداب العرب: الشعر عموما، ومقامات الحريري خصوصا، إذ كان الكانمي -كما سيأتي- شاعرا مفوها، حافظا لأشعار العرب، عارفا بمقامات الحريري أقرأها بمراكش وقت نزوله بها.
اسمه ونسبه ونسبته
نسبه ابن الأبار فقال في التكملة: “إبراهيم بن محمد بن فارس بن شَاكِلة[2] بن عمرو بن عبد الله السُّلمي الذكواني، من أهل كانِمَ مما يلي صعيد مصر، يكنى أبا إسحاق“[3]، وقال في تحفة القادم: “أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن شكلة الذكواني الكانمي وزادني أبو عبد الله الصفار أنه سُّلمي ذكواني من قرية من قرى السودان بكانِم تسمى بلمة“[4].
وهذه النسبة، وهي: “السلمي الذكواني” مشعرة بكون الرجل عربيا صَلِيبَةً؛ لكنني رأيت عند المقريزي نسبته هكذا: “السلمي الأسواني” بدل “الذكواني” ثم زاد بعد “الأسواني” قوله: “من أهل كانم مما يلي صعيد مصر“[5]، وهذا مشعر بأنه عنده منسوب إلى “أسوان“، البلدة المصرية المعروفة بصعيدها، ولم أر هذه النسبة إلى “أسوان” عند غيره.
وأما نسبته: “الكانمي“، فهي: إلى “كَانِم” بلدة، أو جنس من الناس بصعيد مصر، على خلاف في ذلك[6].
مصادر ترجمته
ترجمه ابن الأبار في التكملة لكتاب الصلة[7]، وذكره في الغرباء، وفي تحفة القادم[8]، وتوسع في هذا الكتاب بذكر مختارات من جيد شعره، وهو في كتابيه معا عمدة من جاء بعده في مادة هذه الترجمة كـ: الذهبي[9]، والصفدي[10]، والمقريزي[11]، وابن إبراهيم المراكشي[12].
وللكانمي ذكر في غير كتاب من كتب التاريخ، والتراجم، والبلدان، والأدب كـ: الاستقصا للناصري[13]، ووفيات الأعيان لابن خلكان[14]، ومسالك الأبصار في ممالك الأمصار لابن فضل الله العمري[15]، وعنه القلقشندي في صبح الأعشى[16] ، والمقري في نفح الطيب[17].
وسيأتي في المقال المقبل إن شاء الله ما يتعلق بحليته، وحاله، ومروياته، والآخذين عنه.
يتبع إن شاء الله
————————————————
1. الذيل والتكملة، س: 8، ق:1/166.
2. كذا وقع الاسم هنا، وسيقع عند المصنف نفسه في تحفة القادم، ص: 157، “شكلة“، بحذف الألف بين الشين والكاف، ولست أدري هل الاسم صواب بالوجهين، أو أنه تحرف عند النساخ قديما أو الطابعين حديثا؟
3. التكملة لكتاب الصلة، 1/299.
4. تحفة القادم، ص: 157.
5. المقفى الكبير للمقريزي، 1/317
6. اختلف في “كانِم” فقيل: هم صنف من السودان، حكاه ياقوت بصيغة التمريض، معجم البلدان 4/432.
وقيل: “كانِم” بلدة. وعلى هذا الأكثر؛ واختلف في الإقليم الذي توجد به فذكر ياقوت: أن “كانِم” “من بلاد البربر بأقصى المغرب في بلاد السودان” وهو الذي ذهب إليه البكري أيضا فيما نقله عنه ياقوت، معجم البلدان، 4/432.
قال ابن الأبار: “كانم بلد مما يلي صعيد مصر“، التكملة لكتاب الصلة 1/299، تحفة القادم ص: 157، وهو الذي مشى عليه المقريزي في المقفى الكبير 1/317.
وقال الذهبي: “وهي أكثر من شهر عن سجلماسة في جهة الجنوب وبينهما مفاوز“، تاريخ الإسلام 12/258.
وجمع ابن خلكان بين القول بكون “كانم” جنسا من البشر وكونها صقعا من البلدان فقال: “كانِم: بكسر النون، جنس من السودان وهم بنو عم تكرور، وكل واحدة من هاتين القبيلتين لا تنسب إلى أب ولا أم، وإنما كانِم اسم بلدة بنواحي غانة، وهي دار ملك السودان الذين بجنوب المغرب، فسمي هذا الجنس باسم هذه البلدة، وتكرور اسم للأرض التي هم فيها، وسمي جنسهم باسم أرضهم، والجميع من بني كوش بن حام بن نوح عليه السلام، والله أعلم“، وفيات الأعيان، 7/15.
7. التكملة لكتاب الصلة، 1/299.
8. تحفة القادم، ص: 157.
9. تاريخ الإسلام، 13/188-257-258.
10. الوافي بالوفيات، 6/109.
11. المقفى الكبير، 1/317.
12. الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، 1/153-168-169.
13. الاسقصا لدول المغرب الأقصى، 5/.103
14. وفيات الأعيان، 7/14-15.
15. مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، 4/46.
16. صبح الأعشى، 5/280.
17. نفح الطيب، 4/380.
أرسل تعليق