ابن القطان – المشيخة.. (41)
هذا هو الجزء الواحد والأربعون من هذه المقالات عن ابن القطان، وهو تتميم لما سبق من الكلام عن مشيخته. وتلك سلسلة أعرض فيها من وقفت له منهم على رواية جملة من دواوين العلم، أو ذُكر له شيء من التآليف فيه، ومن جملة أغراضي من ذلك: استعمالُه بعد الفراغ من جمعه في مناقشة كلام قيل عن ابن القطان، من كونه أخذ الحديث مطالعة. ولست ألتزم هنا بنسق معين في عرض هذه المشيخة، وإنما أجلب منهم من آنَسُ من نفسي أني استفرغت وسعا في جمع مادة ترجمته.
محمد بن أحمد بن محمد أبو عبد الله ابن عروس السلمي (تـ 590هـ)
[القسم الأول]
أحد شيوخ ابن القطان بالإجازة مكاتبة فيما نص عليه ابن عبد الملك[1]، ونسبته التي اشتهر بها إلى عروس نسبةٌ إلى جده لأمه فيما قاله أيضا ابن عبد الملك[2]، وهو إمام كبير من أهل غرناطة، ضابط للقراءات، راوية للحديث، ماهر في العربية، أعظَمَ مَنْ تَرْجَمهُ الثناء عليه علما وعَمَلا، وذُكِر في كتب التراجم العامة كـ: التكملة لابن الأبار[3]، وصلة الصلة لابن الزبير[4]، والذيل والتكملة[5]، وتاريخ الإسلام للذهبي[6]، والخاصة بالقراء واللغويين كـ: معرفة القراء الكبار للذهبي[7]، وغاية النهاية لابن الجزري[8]، وبغية الوعاة للسيوطي[9].
والرجل غرناطي من أهلها، أو بالإقامة على الأقل[10]، وهو على شرط الإحاطة لابن الخطيب، وقد راجعت القسمين المطبوعين منها فلم أجد له فيهما ترجمة، فالظاهر أنه في القسم المفقود من هذا الكتاب، وإنما وجدت له في الكتاب ذكرا في غضون تراجم غيره، فقد ذكره ابن الخطيب في شيوخ كثير من المترجمين، فذكره فيهم في شيوخ عمر بن عبد المجيد الرندي أبي علي، ونص على أنه رحل إليه إلى غرناطة[11]، نقله عن ابن الزبير دون إشارة إليه[12]، وفي شيوخ أبي الحسن علي بن محمد السبتي، ونص على أنه دخل غرناطة، وأقام بها يقرأ على جماعة منهم: ابن عروس[13]، ونقل في ترجمة سهل بن محمد بن سهل أبي الحسن الغرناطي –أحد كبار الأعيان وأماثل الوزراء-؛ أنه روى ببلده عن خاله أبي عبد الله ابن عروس[14]،-وسيأتي عن المنتوري سنده إلى سنن أبي داود الذي يتصل به إليه، ويمر على الوزير وخاله-، وذكره في ترجمة أبي بكر يحيى بن محمد التطيلي الغرناطي، وقال فيها: “قرأ على الخطيب أبي عبد الله محمد بن عروس“[15]، فذكره بخطة الخطابة، وذكره في مشيخة مُرجَّى بن محمد الغرناطي مقتصرا عليه في مشيخته، وحلاه بالأستاذ[16].
وأما الذين ترجموا ابن عروس فقد ذكروه جميعا بالمعرفة بالقرآن، والحديث، والفقه، والعربية، جلالة الحال، فقال ابن الأبار: “تصدر للإقراء ببلده وإسماع الحديث وولي الصلاة والخطبة بجَامِعِه، وكان من أهل التجويد، والضبط، والثقة، مع الفضل، والصلاح، أخذ عنه الناس كثيرا“[17]، وقال ابن الزبير: “كان شيخاً جليلاً فقيهاً فاضلاً. لازم إقراء القرآن والحديث والعربية والأدب إلى أن مات. أخذ القراءات عن أبي مروان بن مسرة وأبي بكر بن مسعود وغيرهما، وأجاز له أبو الوليد ابن الدباغ، وابن العربي، وابن هذيل. وكان من أحسن الناس نغمة بالقرآن، وأحسنهم خلْقاً وخُلُقَا وأكرمهم عِشرة وصلة للرحم، وأمشاهم في حوائج الناس، عارفاً للإقراء ذاكراً للخلاف، حسن التعليم للعربية”[18]. وقال ابن عبد الملك: “كان مقرئاً مجوداً ضابطاً طيب النغمة للقرآن، فقيهاً جليل القدر، فاضلاً صالحاً، محدثاً عدلاً ثقة، فقيهاً حافظاً، وجيهاً عند أهل بلده؛ تصدر للإقراء به، وإسماع الحديث، وتدريس العربية والأدب، وكان جيّد التعليم في كل ما كان يؤخذ عنه، من أحسن الناس خلقاً وخلقا، وأجملهم عشرة، وأسرعهم مبادرة إلى قضاء حوائج المسلمين، وأوصلهم للرحم، وأكثرهم مشاركة لجميع الناس في كل ما يعرض لهم من مآربهم، معظَّماً عند الخاصة والعامة، خطب بجامع بلده، وكان صاحب الصلاة به، وتوفي عند فراغ المؤذن من الأذان لصلاة العصر من يوم الأربعاء منتصف رجب تسعين وخمسمائة، ودفن إثر صلاة العصر من يوم الخميس تاليه، واحتفل الناس لشهود جنازته، وازدحموا على نعشه فوق أعناقهم وعلى أكفهم، وأتبعوه ثناءً صالحاً، وأسفاً طويلاً“[19].
وذكره السيوطي في البغية[20]، معتمدا في ترجمته على مادة ابن الزبير. وقال ابن الجزري: “أستاذ ماهر عالم صالح”[21].
وسأعرض في القسم الثاني -إن شاء الله تعالى – لكبار شيوخه، والآخذين عنه، وما وقفت عليه من مروياته، ومصنفاته.
يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى..
—————————————
1. الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة، س: 8، ق1، 166.
2. الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة، س: 6، 34.
3. التكملة، 2/68.
4. صلة الصلة، 5/380.
5. الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة، س: 6/34/35.
6. تاريخ الإسلام للذهبي، 12/915-916.
7. معرفة القراء الكبار، 3/1103-1104.
8. غاية النهاية 2/73-74
9. بغية الوعاة، 1/38.
10. قال ابن عبد الملك في ترجمة ابن عروس: “غرناطي مليشي الأصل، انتقل جده إلى غرناطة أول دولة لمتونة” الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة، س: 6/34.
11. صلة الصلة، 4/73، والإحاطة في أخبار غرناطة، 4/108.
12. قارن ما في الإحاطة، 4/108، بما في صلة الصلة، 4/73.
13. الإحاطة في أخبار غرناطة، 4/191.
14. الإحاطة في أخبار غرناطة، 4/278.
15. الإحاطة في أخبار غرناطة، 4/417.
16. الإحاطة، نصوص لم تنشر، ص: 330.
17. التكملة، 2/68.
18. صلة الصلة، 5/380.
19. الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة، س: 6/35.
20. بغية الوعاة، 1/38.
21. غاية النهاية، 1/314.
أرسل تعليق