إنما أورد عليك الوارد لتكون به عليه واردا
في هذه الحكمة المباركة يتحدث الشيخ بن عطاء الله عن الواردات، ويقصد بها ما يرد على القلوب من أنوار تكون موهوبة ابتداء، أو إثر ذكر الله تعالى وطاعته، وهو المشمول بالاسم الموصول “ما” في قوله تعالى: “ما نثبت به فؤادك” [سورة هود، الآية: 120]، وهو ذات ما بيّنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: “تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أُشربها نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين، قلب أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مربادا كالكوز مُجَخِّياً لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أُشْرِبَ من هواه”، [أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، رقم 144]، فتكون الطاعة سببا في إكرام الله بالواردات المثبتة المشجعة.
قول الشيخ بن عطاء الله رضي الله عنه “لتكون عليه واردا” يقصد به أن الواردات المثبتات لها أيضا بإزاء التثبيت دور التشجيع على الاستمرار في غذّ السير إليه تعالى، فحين تُجرّب حلاوة التثبيت، فلا يسهل على الإنسان بعد ذلك السُّلُوُّ عنها، فيكون ذلك عين الانتزاع من الأغيار، أي الصوارف عن حضرة الملك الحقّ من معاص وأهلها، وهو قول الشيخ بن عطاء الله رحمه الله: “وأورد عليك الوارد ليستلمك من يد الأغيار”، بذوق واردات الخير والفضل والاستئناس بها، يطفق السالك يستوحش من كل مكان لا يستشعر فيه حلاوة التثبيت والتشجيع والتحفيز، ما يستوحش مع كل أناس لا يعينون على ذلك. فما أجمله من استلام جمالي، يسُرّ ولا يغرُّ من لدن الرحمن للسالك إليه من يد الأغيار.
أما قول الشيخ رضي الله عنه: “وليحرّرك من رقّ الآثار”، فيقصد به، الانتزاع من تأثير حجب الصور الخَلْقية، وأستار المعارف غير المكتملة التي على الهدى الذي فيها قد تستحيل إلى حجب في حالة عدم انتظامها في عقد عملي تتكامل لآلئه بلحمة بَوارِق العرفان وسدى البذل والإتقان.
والله المستعان
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
أرسل تعليق