إصلاح النفوس أولا..
الحياة عبر الأزمان والعصور هي صراع بين الخير والشر، وبناؤها في الأساس يقوم على إصلاح النفس وصفائها قبل كل شيء، ومن هنا أولت رسالات السماء النفس الإنسانية عنايتها في أول أمرها، فعمدت إلى إصلاحها وكان ذلك سر خلود دراسات الأنبياء وتفاني المؤمنين في سبيلها، والتفاهم حول الدعاة المبشرين بتعاليمها حتى صاغوا من هذه التعاليم، مبادئ صارت قوة تهيمن على خطرات النفس البشرية وتتحكم في سلوكها، وكان إصلاح النفس بمثابة الدعامة الأولى لتغليب الخير في هذه الحياة؛ ولأنه إذا لم تصلح النفوس فسوف تظلم الآفاق، ويسود الاضطراب حاضر الناس ومستقبلهم، قال الله سبحانه وتعالى: “إن الله لاَ يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” [سورة الرعد، جزء من الآية: 11]. إن الإسلام في علاجه للنفس ينظر إليها من ناحيتين.
أولها: أنها فطرة خيرة تهفو إلى الخير وتسر بإدراكه، وتأسى للشر وتحزن من ارتكابه وترى في الحق امتداد وجودها وصحة حياتها؛
وثانيها: أنها نزعات طائشة تشرد بها عن سوء السبيل، وتزين لها فعل ما يعود عليها بالضرر، وينزل بها إلى منحدر سحيق، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشير إلى بعض هذه الطبائع المستقرة في نفس الإنسان بقوله: “يشيب ابن اَدم ويشيب معه خصلتان، الحرص وطول الأمل”، ويقول: “لو أن ابن اَدم أعطي واديا من ذهب أحب إليه ثانيا، ولو أعطي ثانيا أحب إليه ثالثا، ولا يسد جوف ابن اَدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب” [رواه البخاري].
ومن طبيعة النفس الإنسانية، أنها كلما ألفت موطنا لشهواتها أحبت الانتقال منه إلى موطن آخر، وهي في سعيها الدائب لا تبالي بارتكاب الآثام واقتراف المظالم، وقد حذرنا القرآن من إتباع الأهواء المحرمة فقال تعالى: “ولاَ تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن اَلذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب” [سورة ص، جزء من الآية: 26].
إن الإنسان المسلم يجب أن يعيش من طريق شريف، وأن يحيا على ثمرات كفاحه وجهده الخاص، ولا يبني كيانه على أنقاض الآخرين، وعليه أن يبادر بإصلاح نفسه أولا.
جريدة الميثاق، العدد 905، الخميس 18 ذو القعدة 1420هـ الموافق 24 فبراير 2000م السنة الثانية والثلاثون.
أرسل تعليق