إشكالية حقوق الطفل… الرهانات والتحديات
بمناسبة احتفال العالم –هذه السنة- بمرور 20 سنة على اتفاقية حقوق الطفل الموقعة في 20 نونبر 1989 من قبل أكثر من سبعين دولة، والتي تحدد مفهوما لحقوق الطفل باعتبارها مجموعة من المعايير الأساسية التي لا يمكن للأطفال –من دونها– أن يعيشوا بكرامة كبشر، وهي أساس العدالة والحرية والسلام وترتكز على مبادئ أربع هي:
1. عدم التمييز.
2. مراعاة لمصلحة المثلى للأطفال.
3. الحق في الحياة والبقاء والنماء.
4. احترام آراء الأطفال . [1]
وبموازاة هذا الاحتفال بالذكرى، تصدر منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) تقريرها السنوي ترصد فيه تطورات حقوق الطفل في الدول الموقعة على الاتفاقية، وكذا التحديات التي تعيق تطبيق منظومة حقوق الطفل كما تراهن عليها الاتفاقية ويراهن عليها العالم.
لكن واقع حقوق الطفل حسب التقارير المحلية والدولية يثير سؤالا إشكاليا كبيرا تندرج تحته أسئلة جزئية كثيرة من قبيل:
1. ما مفهوم الطفولة؟ ولماذا حقوق الطفل؟
2. ما أسباب تقاصر منظومة حقوق الطفل عن بلوغ غاياتها بالمعايير المحددة في الاتفاقية؟
3. ما أثر التباينات الثقافية بين الشعوب في عدم تفعيل منظومة حقوق الطفل بنسب متقاربة؟
4. ما نوع الرهانات التي تطمح الاتفاقية إلى تحقيقها؟
5. ما طبيعة التحديات التي تحول دون تفعيل هذه المنظومة بمستوى الرهان المحلي والعالمي؟
إن الإجابة عن هذه التساؤلات الإشكالية لتحديد مكامن الاختلالات والعوامل الفاعلة فيها، تتطلب العودة إلى:
• تحديد مفهوم الطفولة باعتبارها مرحلة من أهم مراحل حياة الإنسان والتي تتحدد فيها معالم الشخصية ويكتمل فيها النمو العقلي والجسمي، وتبدأ منذ الميلاد وتنتهي ببلوغ سن الرشد قال تعالى: “ثم َّ نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم” [سورة الحج/ الآية: 5].
البحث في المنظور الفلسفي الذي بني عليه صرح هذه المنظومة الحقوقية، ألا وهو المنظور الكوني الذي ينطلق من مرجعية تختلف في بنيتها وأهدافها عن غيرها من المرجعيات ذات الانتشار الواسع ومنها المرجعية الإسلامية، فهذه الأخيرة جاءت بنظرة متقدمة إلى الإنسان بحيث جعلت مرتبته أعلى المراتب في سلم الخلق، وبتشريعات -منذ البداية- تكفل للطفل حقوقا تتلاءم وتكريم الله تعالى للإنسان، قال الله تعالى: “ولقد كرمنا بني ءادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا” [سورة الاسراء/ الآية: 70]، وكذا دوره المركزي الاستخلافي في هذا الكون قال سبحانه وتعالى: “وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الاَرض خليفة” [سورة البقرة/ الآية: 29].
وهذا التكريم الإلهي للإنسان بمفهومه الشامل صاحبه تشريع منظومة حقوقية أشمل وأرحب بكثير مما جاءت به المرجعيات القاصرة عن بلوغ المرام في كثير من جوانب إنسانية الإنسان، تشمل حقوق الطفل قبل خروجه إلى هذا العالم بزمن غير يسير، بدءا من اختيار كل من الزوجين للآخر، ومرورا بكفالة حق حفظ الحياة الذي أحاطته الشريعة الغراء بسياج من التشريعات الزاجرة لصيانته من كل انتهاك، وانتهاء بكفالة جميع حقوق الطفل المدنية التي لا تطيب الحياة بدونها انسجاما مع الفطرة الإنسانية السليمة، ومن ثم يتعين القول بأن المرجعية الإسلامية جاءت بمنهاج متكامل يحفظ الطفولة الإنسانية من كل اعتداء على كرامته وحقوقه.
• التأمل في أسباب تملص كثير من دول العالم من التوقيع على اتفاقية حقوق الطفل، لكن هذا الأمر لا يثير الاستغراب بفعل هذا التناقض الصارخ بين دعوة البعض منها إلى فرض تطبيق المنظومة والتأكيد على احترامها، وبين رفض التوقيع على الاتفاقية الحقوقية الملزمة.
أما السؤال الثاني المتعلق بعلاقة الخصوصيات الثقافية بالتحمس لتفعيل اتفاقية حقوق الطفل بدرجات متقدمة، فإن الأمر لا يخفى على ذي بصر وبصيرة؛ لأن الإنسان السوي يصدر في سلوكه عن تصوراته الاعتقادية ولا ينقاد لغيرها خاصة إذا كانت تلك التصورات تتناقض في طبيعتها ومنطلقاتها وأهدافها.
وأما الرهانات التي تراهن عليها اتفاقية حقوق الطفل خاصة من قبل الدول الموقعة عليها فتتجاوز إشاعة ثقافة حقوق الإنسان عامة وحقوق الطفل خاصة، إلى تمكين الطفولة من الحقوق الطبيعية التي لا يهنأ العيش الكريم، ولا يرفرف الأمن في غيابها. لكن هذا الطموح/ الرهان في مجال حقوق الإنسان يصطدم
بصخرة التحديات والإكراهات الكبرى وفي مقدمتها:
1. التحديات الثقافية: إن التحدي الأكبر أمام تمكين الطفولة من حقوقها، وتفعيل الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان عامة هو التحدي الثقافي؛ لأن واقع الناس في هذا العالم يعج بالثقافات المختلفة التي كونت -لدى أصحابها– مناظير وتصورات ومعتقدات راسخة لا تقبل التغير بسهولة، والقبول -بيسر- بالثقافات والفلسفات التي تنطلق منها المنظومة الحقوقية المعاصرة.
2. التحديات الاجتماعية: إن المواضعات الاجتماعية ذات العمق التاريخي من الأسباب الرئيسة في تمنع تلك المجتمعات وتحفظها عن الاستجابة السريعة للإصلاحات التي يرومها التطور الاجتماعي للارتقاء بالإنسان -حضاريا- إلا بمقدار ما لا يضر بـ (الثوابت) المتواضع عليها اجتماعيا.
3. التحديات الاقتصادية: من المعلوم، حين تصاب الأمم بداء فقر القيم الإنسانية التي يربط بينها رابط العقيدة، تطغى الأنانية والأثرة ويسود الاستهتار والاستخفاف بالحقوق والمثل العليا وبالإنسان نفسه، وتستبدل المعايير والموازين الفطرية بموازين تخدم بعض مصالح الأشخاص المادية، وتشقى في ظلها الإنسانية جمعاء، فيكثر الاستغلال للأطفال وتنتهك حقوقهم بدافع الجشع المادي، ولا يعبأ بالقوانين والاتفاقيات الدولية والمحلية كما هو حال كثير من الشعوب والأمم اليوم، والسؤال الذي أختم به هذا المقال هو: ما هي الإجراءات العملية لتجاوز هذه التحديات أو هذه الأزمة الحقوقية؟
ألخصها في الآتي:
• تخصيص مساحة واسعة من البرامج التعليمية المدرسية لمبادئ حقوق الطفل وإبرازها بشكل ينمي الوعي بأهمية هذه الحقوق، وخلق فضاءات في محيط المدرسة لممارستها -فعليا- خاصة إذا علمنا أن المدرسة هي الفضاء الرحب للطفولة. تعزيزا للإنجاز الكبير الذي جاء به الإصلاح التربوي بالمغرب والذي يجسده الميثاق الوطني للتربية والتكوين حيث كان من بين اختياراته في مجال القيم، قيم حقوق الإنسان. لكنها جاءت عامة تحتاج إلى بلورة أهدافها الخاصة بالحقوق إلى الإعلان عن أهم حقوق الطفل في تجلياتها التفصيلية.
• الأخذ بعين الاعتبار بالخصوصيات الثقافية للشعوب في صياغة منظومة حقوق الطفل تنطلق – ثقافيا- من القواسم المشتركة بين الأمم وترك التفاصيل ذات الارتباط بالخصوصية لأهلها.
• تسخير كل الوسائل الإعلامية الممكنة لنشر الوعي بأهمية هذه المنظومة الحقوقية في الأوساط الاجتماعية المسؤولة هي بدورها عن انتهاك حقوق الطفل وضمان كفالتها، حتى تختفي السلوكات السلبيةالموروثة في مجال حقوق الإنسان.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
———-
1. تقرير اليونسيف2009
الوسوم
حقوق الطفل-
بسم الله الرحمان الرحيم
لقد أثار انتباهي موضوع إشكالية حقوق الطفل الرهانات والتحديات لفضيلة الأستاذ علي الأصبحي بمناسبة احتفال العالم هذه السنة بمرور 20 سنة على اتفاقية حقوق الطفل، فأدركت أن أستاذنا الجليل أصاب المفصل، إلا أن لي بعض الإضافات، وهي أن هذه الحقوق قد عرفها الإسلام قبل أن تعرفها هيئة الأمم المتحدة بخمسة عشر قرنا من الزمن.
والإسلام لا يعتبر الأسرة مسلمة إلا إذا وضعت في اعتبارها أن تعمل على تربية أطفالها بتربية الإسلام، ويتضح ذلك في ما يمارسونه من قول وصمت وعمل وترك.
والأسرة المسلمة مسؤولة أمام الله عن أطفالها، لذلك يتحتم عليها إعداد هؤلاء الأطفال بتعاون مع المسجد والمدرسة والجيران قبل أن تدفع بهم إلى المجتمع.
والإسلام يوجهنا أن ندفع بالأطفال نحو التفوق والإجادة قبل ممارسة الدعوة إلى الله لدى علينا أن نغرس في أطفالنا الكلمة اللينة الطيبة الهادفة التي لا تجرح شعورا والمناقشة والحوار بالتي هي أحسن بقصد الوصول إلى الحق.
وليكن في علم الجميع أن الأطفال في المجتمع من أهم طبقات الناس، هم مستقبل المجتمع وعناصر الإنتاج فيه.
والطفل إذا لم نزرع في نفسه الاهتمام بالأقارب أرحاما وأصهارا، نكون بذلك أضعنا عليه حقا من حقوقه، كذلك علينا أن نعلم الأطفال أن الله معنا وناظر إلينا وشاهد على أقوالنا وأفعالنا. -
تحية إسلامية خالصة، بارك الله سعيكم
وبعد، لدي إضافة تسعى إلى أن تزيد مقالكم بهاء وجمالا
الشباب لغة:
الشباب: جمع شاب، ويجمع أيضاً على شبَبَة وشُبَّان بضم أوله والتثقيل. وذكر الأزهري أنه لم يجمع فاعل على فَعال غيره. وهو: من الفتاء والحداثة وأول الشيء. وأصله من الحركة والنشاط .وقال ابن فارس: الشين والباء أصل واحد يدل على نماء الشيء وقوته، في حرارة تعتريه.
أسماء الأسنان وأقسامها:
بين الله سبحانه وتعالى أنه خلق الإنسان على مراحل مختلفة، فقال تعالى: ﴿وقد خلقكم أطواراً﴾، وهذا أمرٌ مشاهدٌ في الحس. قال بعض الحكماء: (الأسنان أربعة: سن الطفولة، ثم الشباب، ثم الكهولة، ثم الشيخوخة، وهي آخر الأسنان وغالب ما يكون ما بين الستين والسبعين فحينئذ يظهر ضعف القوة بالنقص والانحطاط فينبغي له الإقبال على الآخرة بالكلية لاستحالة أن يرجع إلى الحالة الأولى من النشاط والقوة ……..).
وذكر الحافظ ابن حجر في قوله تعالى: ﴿لتركبن طبقاً عن طبق﴾: (وقيل المراد اختلاف أحوال المولود منذ يكون جنيناً إلى أن يصير إلى أقصى العمر. فهو قبل أن يولد جنين، ثم إذا ولد صبي، فإذا فطم غلام، فإذا بلغ سبعاً يافع، فإذا بلغ عشراً حزْوَر، فإذا بلغ خمس عشرة قمد، فإذا بلغ خمساً وعشرين عنطنط، فإذا بلغ ثلاثين صمل، فإذا بلغ أربعين كهل، فإذا بلغ خمسين شيخ، فإذا بلغ ثمانين هم، فإذا بلغ تسعين فانٍ. وقال في موضع آخر: (لا يمنع إطلاق شيء من ذلك على غيره مما يقاربه تجوزاً). بل إن بعضهم جرى على التفصيل الدقيق لكل مرحلة من مراحل العمر، فقال العيني: (قالت الحكماء: يشمل الإنسان كونه نطفة إلى أن يموت على سبعة وثلاثين حالاً وسبعة وثلاثين اسماً……..) ثم شرع في عدِّها.
أهمية الشباب، وخطورة مرحلته:
إذا قارن المرء بين الشباب والشيوخ فإنه سيجد في الشباب من صفات اللين والقبول وسرعة التأثر، قال عطاء الخراساني: طلب الحوائج من الشباب أسهل منه من الشيوخ. ألم تر إلى قول: يوسف لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم، وقال يعقوب: سوف أستغفر لكم ربي.
مرحلة الشباب هي مرحلة بداية التكليف، ومرحلة الاستعداد والقوة العقلية والجسمية. قال تعالى: ﴿الله الذي خلقكم من ضعفٍ ثمَّ جعل من بعد ضعفٍ قوةً ثمَّ جعل من بعد قوةٍ ضعفاً وشيبةً يخلقُ ما يشاء وهو العليم القدير﴾. ومما يدل على الاستعداد ما جاء من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: جمعت القرآن فقرأته كله في ليلة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أخشى أن يطول عليك الزمان، وأن تملَّ، فاقرأه في شهر". فقلت: دعني أستمتع من قوتي وشبابي. قال: "فاقرأه في عشرة". قلت: دعني أستمتع من قوتي وشبابي. قال: "فاقرأه في سبع". قلت: دعني أستمتع من قوتي وشبابي. فأبى.
ومما يدل على أهمية هذه المرحلة أن الإنسان سيُسأل عنها يوم القيامة سؤالاً خاصاً، فعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم؟". فالسؤال عن عمره يدخل فيه السؤال عن شبابه، ولكن لأهمية هذه المرحلة وخطورتها احتاج الأمر إلى زيادة سؤال وبيان وتأكيد.
وهذه المرحلة إذا كانت من الخطورة بمكان، فإنها إذا لم تجد من يستثمر الخير فيها، ويحرسها من المعارِضات فسينتج عن ذلك فساد عريض. وما أصدق قول أبي العتاهية:
إن الشباب والفراغ والجدةْ
مفسدة للمرء أيَّ مفسدة -
إضافة :
كيف نبينا صلى الله عليه وسلم يعامل الأطفال ؟
نريد أن نذكر هذه المسألة لتوحي بها إلى عقول العاقلين تذكيرا لهم، وللغافلين تنبيها لهم إلى ما تزخر به مرجعيتنا من رصيد قوي وضخم في مجال حقوق الطفل، وفق ما يسمح به الحيز الزماني والمقامي.
لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يصبر عليهم ولا يضجر ..
فعَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ رضي الله عنها قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَبِي وَعَلَيَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "سَنَهْ سَنَهْ" – وَهِيَ بِالْحَبَشِيَّةِ حَسَنَةٌ – قَالَتْ: فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، فَزَبَرَنِي أَبِي، فَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "دَعْهَا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي. فَبَقِيَتْ حَتَّى ذَكَرَ-يَعْنِي مِنْ بَقَائِهَا-.
إنَّ الانشغال بالعبادات، ومناجاة رب الأرض والسماوات، لم يكن ليمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإحسان إلى الطفل والترفق به ..
فعن شداد بن الهاد رضي الله عنه قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي إِحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَهُ ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ فَصَلَّى، فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ سَاجِدٌ، فَرَجَعْتُ إِلَى سُجُودِي، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ قَالَ النَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِكَ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ؟ قَالَ : كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ. فهنا نرى أنَّ نبينا صلى الله عليه وسلم يكره أن يُعجل هذا الصغير، بل تركه حتى قضى نهمته من اللعب ..
إنّ الحسن أو الحسين لم يكن ليفعل ذلك لولا أنْ اعتاد حسن المعاملة والصبر من النبي صلى الله عليه وسلم، لقد كان من الممكن أنْ يزيحه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يفرغ من الصلاة ثم يلتفت إليه بعدُ.. ولكن لم يرد نبينا صلى الله عليه وسلم أن يكسر بخاطر طفل حتى في حالٍ يناجي فيها ربه. وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَؤُمُّ النَّاسَ، وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ -وَهِيَ ابْنَةُ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم – عَلَى عَاتِقِهِ، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا، وَإِذَا رَفَعَ مِنْ السُّجُودِ أَعَادَهَا.
مع أنّه صلى الله عليه وسلم قال عن الصلاة: جُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاة. أي: لم يكن له حال أهنأ من حاله وهو يصلي. ولهذا كان إذا قام إليها قال: يَا بِلَالُ، أَقِمْ الصَّلَاةَ، أَرِحْنَا بِهَا» . ومع ذلك كلِّه لم يترك هديه في معاملة الأطفال وهو متلبس بها .
-يتبع- -
تتمة:1/2
ولقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يخطب في الناس، إِذْ جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ، يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْمِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا وَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ : صَدَقَ اللَّهُ: "إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ" ، فَنَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي وَرَفَعْتُهُمَا.
إنّه لم يكن أرحم بالصبيان من محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام ..
فعن أنس رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنِّي لَأَدْخُل فِي الصَّلَاة أُرِيد إِطَالَتهَا، فَأَسْمَع بُكَاء الصَّبِيّ، فَأُخَفِّف مِنْ شِدَّة وَجْد أُمّه بِه. والْوَجْد يُطْلَق عَلَى الْحُزْن وَعَلَى الْحُبّ أَيْضًا وَكِلَاهُمَا سَائِغ هُنَا، كما ذكر النووي رحمه الله.
وبين أنَّ من لا يرحم الصغير فليس منه بقوله:" لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا".
ولقد تجسدت هذه الرحمة بهم في أسمى صورها في هذه الحادثة التي أخبر بها صاحبه أنسٌ رضي اله عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ، فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى أُمِّ سَيْفٍ، امْرَأَةِ قَيْنٍ يُقَالُ لَهُ أَبُو سَيْفٍ، فَانْطَلَقَ يَأْتِيهِ، وَاتَّبَعْتُهُ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى أَبِي سَيْفٍ وَهُوَ يَنْفُخُ بِكِيرِهِ قَدْ امْتَلَأَ الْبَيْتُ دُخَانًا، فَأَسْرَعْتُ الْمَشْيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَيْفٍ أَمْسِكْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَمْسَكَ، فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالصَّبِيِّ، فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، قَالَ أَنَسٌ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ وَهُوَ يَكِيدُ بِنَفْسِهِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَدَمَعَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ :" تَدْمَعُ الْعَيْنُ، وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَاللَّهِ يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ".
وأذكر أنّ عالماً قيل له: فقد الفضيل بن عياض رحمه الله بنته فضحك، فلما سئل قال: رضيت بما قضى الله به، وفقد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنه فبكى؟ والمراد: هل كان الفضيل أصبر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال: إن الفضيل اتسع قلبه لعبودية واحدة، هي عبودية الرضا بمرِّ القضا، أما النبي صلى الله عليه وسلم فلقد اتسع قلبه لأنواع من ذلك، عبودية الرضا وعبودية الرحمة لهذا الصغير. -
تتمة:2/2
وكان صلى الله عليه وسلم يمازحهم :
فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ، فَكَانَ إِذَا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَآهُ قَالَ :«أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ»؟( ).
ومن تأمل العبارة التي تفوه بها أنسٌ رضي الله عنه: " فَكَانَ إِذَا جَاءَ" علم أنّ ممازحة النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الصغير كانت متكررة.. وهذا يدل على تجذر هذه الأخلاق فيه عليه الصلاة والسلام، فما كان مُتَكَلَّفاً فلا يمكن أن يكون مستمراً، قال الرازي رحمه الله : "المتكلف لا يدوم أمره طويلاً، بل يرجع إلى الطبع، والنغير -بالتصغير – هو طائر يشبه العصفور.
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا مرّ على الصبيان في الطريق سلَّم عليهم.
فقد حَدَّثَ أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَرَّ بِصِبْيَانٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ " وهنا أجدني أسائل نفسي : من منّا –أيها القارئ الكريم – يتواضع ويفعل ذلك اليوم؟!
وكان عليه الصلاة والسلام يقبِّل الأطفال ..
فعن أمِّ المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَدِمَ نَاسٌ مِنْ الْأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: أَتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. فَقَالُوا: لَكِنَّا وَاللَّهِ مَا نُقَبِّلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَأَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللَّهُ نَزَعَ مِنْكُمْ الرَّحْمَةَ".
وحدَّث يَعْلَى بْنُ مُرَّةَ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى طَعَامٍ دُعُوا لَهُ، فَإِذَا حُسَيْنٌ يَلْعَبُ فِي السِّكَّةِ، فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَمَامَ الْقَوْمِ وَبَسَطَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَفِرُّ هَا هُنَا وَهَا هُنَا وَيُضَاحِكُهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَخَذَهُ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ تَحْتَ ذَقْنِهِ وَالْأُخْرَى فِي فَأْسِ رَأْسِهِ فَقَبَّلَهُ وَقَالَ: "حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ، أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنْ الْأَسْبَاطِ".
ومن المهم هنا أن نعلم: أنّ عدم إعطاء الطفل نصيباً وافياً من الحنان والعطف والتقبيل من مظاهر هذه المحنة ربما تسبب في انحراف سلوكه ..
يقول الدكتور على الزهراني–في رده على أحد المرضى المنحرفين الشاذين: "أعود لمشكلتك الجنسية وتعلقك بكبار السن للقيام بالعملية الجنسية، حيث يرى بعض علماء النفس أن الطفل الذي لم يحظ بالحنان الكاف من والده فإنَّ هذا الأمر سيلازمه للأبد بمطاردته لكبار السن بطلب الحنان منهم فهو، أحياناً يجد رغبة في مجامعتهم، لكنه في الواقع يبحث عن الحنان الذي طالما بحث عنه لكنه لم يجده في طفولته، حتى أن بعض العلماء يرى أن يقوم الأب بملامسة جسد الطفل في الصغر؛ لإعطائه الحنان الذي يبحث عنه، وفي المراحل المتقدمة من الطفولة يقوم الأب بممازحة الطفل واللعب معه؛ للتغلب على ظهور مثل هذا الانحراف، بل أن هناك دراسات وجدت أن الانحرافات الجنسية تكثر بين الأطفال الذين عاشوا بدون آباء، إما لانشغالهم المستمر خارج المنزل، أو لسفرهم لفترات طويلة، أو لفقدهم بالموت، أو الانفصال" .
9-12-2009 -
بسم الله الرحمان الرحيم
إن هذا الموضوع قد أثار نقاشات عديدة أحيطت جميعها بعلامات استفهام؟ ؟ ؟ ماهي حقوق الطفل مع أن حقوقه مضمونة من رب العباد الله عز وجل، فمن قبل أن يأتي ذلك المولود الذي سيصبح طفلا، ثم رجلا قد وضعت له حقوقه وما لنا نحن إلا الحفاظ عليها…
الحقوق المقررة في التشريعات الوضعية جاءت نتيجة لأوضاع اجتماعية ظالمة، أو بسبب مشكلات يعاني منها المجتمع ومن ثم يحاول علاجها والسيطرة عليها بدراسات وتشريعات عرضة للخطأ والصواب والتعديل والتبديل.ـ أما حقوق الطفل في الشريعة الإسلامية فهمي مقررة من رب العباد، الذي لا يضل ولا ينسى، وهو الخالق العليم بما يصلح للنفس البشرية التي خلقها وسواها ولهذا جاءت أحكام الشريعة متخطية لحدود الزمان والمكان، والمحاولة والخطأ عادلة عدالة مطلقة.
ـ فالله واهب البنين وواهب البنات وهو واهب الحياة من هنا كان احترام هذه التباينات والحقوق واجب شرعي لا يجوز الاعتداء عليها في أي زمان ومكان بأي حالٍ من الأحوال، وما حدث في مؤتمرات السكان من محاولات إباحة الإجهاض دليل قاطع على أن ديمومة الشريعة أجب وأحفظ للحقوق.
ـ وعندما حفظت الشريعة حق المولود في النسب المعلوم والموثق والمشهود عليه والمعلن وحرمت إنجاب الأطفال خارج العلاقة الزوجية الشرعية، فقد حمت الأطفال من المشكلات المستقبلية التي يعاني منها المنجبون خارج إطار الأسرة الشرعية.
ـ حمت الشريعة الإسلامية حقوق الطفل، حيث نجد أنهناك ثوابت مثل حق الحياة، وحق النسب، وحق الرعاية الأبوية، لا يمكن الخروج عليها شرعاً.
ـ أقرت الشريعة الإسلامية حقوقاً للطفل عجزت القوانين الوضعية لحقوق الطفل التغلب عليها كحقه في اختيار الأم ذات الأخلاق الحميدة، وحقه في الاسم الحسن، وحقه في الإنجاب داخل الأسرة، وحقه في الرضاعة، وحقه في بيئة رحمية أولية طاهرة، وحقه في التربية الإيمانية، وحقه في الحماية من النار والشيطان والصيانة من الشاذّين خلقياً وجنسياً.
ـ كما حمت الشريعة الإسلامية حق الطفل في الرضاعة الطبيعية، والوصية الحنونة الهادئة، وحقه قبل الميلاد في الميراث، وحقه في الوصية والميراث الشرعي.
كما حمت الشريعة حق اليتيم في الرعاية الاجتماعية، وحفظ الأموال، والعطف من الجميع والحنان ونشأته في أسرة كافلة سوية.
ـ كما أن حقوق الطفل في الشريعة حقوق كلية حرصت على الكليات والحقوق الأساسية وأجازت الاجتهاد لوضع الآليات والتفاصيل التي تحكمها المستجدات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والسياسية.
ـ كما حمت الشريعة الإسلامية الطفل من التبني، وتغيير العقيدة، والاسترقاق وحفظت حقوق اللقيط والمريض وذوي الاحتياجات الخاصة، وحقه في الحياة وتحريم المتاجرة في أعضائه البشرية تحريماً أبدياً قاطعاً.
-
محمد احساي
باحث في التربية الإسلامية
يطرح الأستاذ علي الأصبحي موضوعا بالغ الأهمية في عصر العولمة المتوحشة التي تحاول تنميط المجتمعات وإلغاء الخصوصيات الدينية والثقافية ….بدعوى الكونية، مسخرة من أجل ذلك القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية…متأثرة بآليات الضغط والإكراه الممارسة من طرف الجماعات ذات الأهداف الإقصائية والعنصرية، وإرساء الفكر الواحد والإيديولوجية الاستقطابية، مستغلة خرافة صراع الحضارات؛ لإحكام سيطرتها على العالم شعوبا وحكاما وقيما وحضارات..
وإذا كنا نؤمن بقيمة الموضوع المطروح وأهمية المدخل الحقوقي في التعامل مع الطفل، فإننا وأمام الرهانات والإكراهات التي يناقشها الأستاذ الأصبحي، نجد أنفسنا كمربين في أمس الحاجة إلى إرساء ثقافة حقوقية توازن بين المسؤوليات، بين الحقوق والالتزامات، بين المطالب والواجبات… باعتبار هذا التوازن أصلا لعلاج كل خلل أو اختلال في المنظومة الحقوقية وتنزيلها على المستوى التربوي… وبالتالي وانطلاقا من مصادرنا الثقافية ندعو المربين إلى الاهتمام أكثر :
– بقيم المسؤولية بدل القيم الحقوقية
– بقيم التعاون والتكامل في إطار التنوع بدل قيم التنافس
– بقيم العدل والتوازن بدل قيم المساواة والصراع
– بقيم الوطنية الحقة بدل العزف على قيم المواطنة وما نتج عنها من غياب لأهم شروط الوطنية كالإخلاص للوطن وحبه وخدمته والتضحية في سبيله ……وهي المواضيع التي آمل من الأستاذ الأصبحي تناولها من مرجعية شرعية في الأعداد اللاحقة من الجريدة الإلكترونية لميثاق الرابطة المحمدية..
وشكرا لكل من كتب وكاتب ونصح واستنصح وقرأ واستقرأ واستكتب.. -
الموضوع مهم، والذي زكى أهميته المقال الذي وضع اليد على مكامن الجرح الغائر في جسد الطفولة المحرومة.
ولكن السؤال المطروح هو: ما جدوى ترسنة القوانين والمراسيم الدولية والمنطماتية والوطنية الضامنة لحقوق الطفولة في غياب الأجرأة الحقيقية لها..؟؟؟؟
التعليقات