إذا علمت أن الشيطان لا يغفل عنك فلا تغفل أنت عمن ناصيتك بيده
في هذه الحكمة المباركة يجلي الشيخ ابن عطاء الله رضي الله عنه وأرضاه، ما به يكون شهود العدو الذي قال عنه رب العزة سبحانه: “إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا” [سورة فاطر، جزء من الآية: 6]، وهو عدو وكما بين ذلك نبي الهدى والرحمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم “يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّم” [صحيح البخاري، رقم الحديث: 1909]، عدو من أكبر مكائده إنساء الإنسان نفسه بحيث يصبح في مقام “إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم” [سورة الاَعراف، جزء من الآية: 27]، عدو لا يرى إلا بمجهر القرآن والسنة، وقول الشيخ رحمه الله: “إذا علمت أن الشيطان لا يغفل عنك، فلا تغفل أنت عمن ناصيته بيده” فيه اللواذ والعياذ منه وجب أن يكون بالله تعالى، وهو قوله سبحانه: “وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم” [سورة الاَعراف، الآية: 200]، وهو ما ضرب له العارفون مثلا بهجوم كلب غنم على إنسان، حيث يكون الأولى هو أن يطلب إلى صاحبه أن يحوشه، وليس منازلته.
وقول الشيخ رضي الله عنه: “جعله لك عدوا ليحوشك به إليه” يظهر به أن المقصد من تمكين الله إبليس أن يجلب على عباده بخيله ورجله هو أن يعوذ المصطفون ويلوذوا به تعالى وهو قوله جل وعلا لإبليس: “واستفزز من استطعت منهم بصوتك، وأجلب عليهم بخيلك ورجلك، وشاركهم في الاَموال والاَولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا. اِن عبادي ليس لك عليهم سلطان، وكفى بربك وكيلا” [سورة الاِسراء، الآية: 64-65]. وهذا معنى في غاية اللطف فتح الله به على الشيخ رحمه الله.
وقول الشيخ رحمه الله: “وحرك عليك النفس لتديم إقبالك عليه” فيه التنبيه إلى عميل الشيطان بالقوة الثاوي بين جنبيك، نفسك، والتي إن لم تَزْكُ بالانشغال بالإقبال على الله، فإنها تتحالف مع الشيطان فتصبح مؤتمرة بأمره كما في قوله تعالى عن قابيل: “فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين” [سورة المائدة، الآية: 30]، وقوله سبحانه على لسان السامري: “وكذلك سولت لي نفسي” [سورة طه، الآية: 96].
فالمصطفون الذي استقر في قلوبهم حب الله تعالى والشوق إلى قربه، لا يرون تسويل النفس والشيطان إلا عوامل مبعدة عن المحبوب، ولا يرون ذلك إلا أشد من الموت؛ لأن الموت قاطع عن الدنيا والأغيار بيد أن اتباع النفس والشيطان قاطع عن الله تعالى، فما تزيدهم منازعة النفس والشيطان إلا إقبالا على الله واستعانة به سبحانه على تزكيتها، واستنزالا لرحمته تعالى حتى تعتق بمنّه عز وجل وفضله، وهو قوله صلى الله عليه وسلم في الدعاء المأثور عنه عليه أزكى الصلاة والتسليم “اللهم آت نفسي تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها، أنت وليها ومولاها”.
والله المستعان
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
أرسل تعليق