كانت الأمة الإسلامية في عز ظهورها أمة ذات مواصفات خاصة تمكنها من القيادة والرئاسة، ولم يرض الإسلام لأتباعه وهم في أوج قوتهم وصعود نجمهم وامتداد ملكهم ليغطي بقاع الأرض طولا وعرضا أن يكونوا جبارين في الأرض، يمشون بطرا وأشرا، وإنما أرادهم أن يدركوا قيمة المسؤولية فيرتقوا إلى المعاني والصفات الراقية التي سمى الله تعالى بها نفسه من الرحمة والكرم والعدل ليكون المجتمع المسلم مجتمع العدالة، فيحقق للإنسان توازنا لا مثيل له بين الروح والجسد والعقل والعاطفة، والعفو والقصاص فلا يطغى جانب على آخر، ولا يتجاوز أحد حده الذي ينبغي الوقوف عنده.

      لقد حث الإسلام على تكوين مجتمع إنساني راسخ بعيد عن فوضى السلوك وانحراف الأخلاق وهبوط القيم، وبنى تشريعه بطريقة فذة مدعاة للفخر، وعمل على كل ما يعود على الفرد والجماعة بالخير في إطار النزاهة الكاملة، كما حث على التضامن الاجتماعي لتحقيق مصلحة الفرد والمجتمع في وقت واحد، دون تمييز لتحقيق ربح الأفراد على حساب الجماعة.

      وأقامت الشريعة الإسلامية جميع العلاقات البشرية على قاعدة السلم والأمن، ونهت عن الغدر والخيانة والاستعلاء، وجعل الله، سبحانه وتعالى، معيار التمييز بين الناس التنافس في الخير والارتقاء في البذل والعطاء مصداقا لقوله عز من قائل: “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” [سورة الحجرات، جزء من الآية: 13]، والأصل عند المسلمين الانفتاح على الناس “فكلكم لآدم وآدم من تراب”، والتعارف ركن مهم من أركان العلاقات الإنسانية العامة. قال الله سبحانه: “إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا” [سورة الحجرات، جزء من الآية: 13]. وبذلك تتقلص مساحات الاختلاف، وتتسع مساحات التفاهم والانسجام.

 جريدة ميثاق الرابطة، العدد 884، الخميس 19 جمادى الثانية 1420هـ الموافق 30 شتنبر 1999م السنة الثانية والثلاثون.