أمة الدين القيم
يذهب علماء الغرب، ومن هم على شاكلتهم مذهبين اثنين في عصرنا هذا حين حديثهم عن القيم وعلاقتها بالحضارات الإنسانية:
أولهما وحدة منظومة الحضارة الغربية، وهذا يعني أن عملية الاقتباس التي تمارس في حق هذه الحضارة من طرف “الآخرين” غير نافعة أو مجدية، ذلك أن الذي يأخذ الجانب الصناعي والتقني، ويعرض عن الجوانب القيمية في الحضارة الغربية، يغفل أن هذه الجوانب هي وليدة القيم التي صاحبتها منذ البداية، ومن ثم فلن يفلح “اقتباسه” و”غربلته”، ولن يتقدم أو يتحضر!!
وإذا ما تم دحض هذا الرأي الذي لا قرار له ولا أساس؛ فإنهم يذهبون المذهب الثاني القائل بنسبية القيم في عالم الحضارات الإنسانية، وهم بذلك يعيدون نفس الرأي الذي قال به السفسطائيون في الفلسفة اليونانية القديمة.
وقد انبرى لمناقشة هذه القضايا ثلة من المفكرين والدارسين، ودلت شواهد تاريخية وعلمية عديدة على ضعف حجتها وفساد القول بها، وفي تقديري ما عاد الوضع الفكري لأمتنا الحالي يسمح بتتبع مثل هذه الآراء ومناقشتها والرد عليها، وبدلا من ذلك يستحسن رصد نماذج من قيم الحضارة العربية الإسلامية وإحيائها وتجديدها وإحلالها مكانتها السامية في نفوس الناس وعقولهم ومعاملاتهم، خاصة إذا علمنا أن الحضارة الغربية في عصر العولمة تسعى بكل قوتها وجبروتها إلى سربلة العالم بنموذج مسربخ من “القيم”، تأتي على خصوصيات الأمم والشعوب لتدكها دكا فتذرها قاعا صفصفا.
أخشى ما أخشاه أن نستمر في إضاعة الوقت، والجهد لمحاولة إقناع “الآخر” بتصحيح أخطائه وتقويم اعوجاجه تجاه قيمنا، حتى إذا انتشر طاعون العولمة القيمية فينا شرقا وغربا، وطوى كثيرا من أخلاقنا وقيمنا ومحاها، وأحس المرء بدنو أفول الأمة ونهاية مداها، أدركنا آنذاك بعد ذهاب ما كان باستطاعتنا أن ندركه أننا أصبحنا كذالكم الذي جُعل رزقه فوت فمه بحيث يراه ولا يصل إليه.
إن أمتنا تشهد في وقتنا خلقا جديدا وميلادا حديثا، ونشأة مستأنفة تستوجب مصاحبة علمية بدءً من إعادة الاعتبار لحسن اختيار الاسم، “الأمة” للمولودة الجديدة، وكذا أخيرية مقاصد بعثتها وإخراجها إلى الناس، ثم إدراك المعاني العميقة للاجتباء والاختيار والاصطفاء التي حباها بها الوهاب المنان، مع الفقه التام لدلالات شهادة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام على ميلادها اهتداء وتعليما وتزكية تتويجا لكمال الختم الرسالي بجلاله وجماله.
إن الأمة الإسلامية أُودعت طاقات هائلة من النسيج الأخلاقي والقيمي تشكل قدرات عجيبة لتصحيح مسار البشرية، وترسم لها مناهج القوامة الحضارية التي من شأنها إقامة العمران وبناء الإنسان السوي الذي آمن حق الإيمان بقول الله سبحانه: “قد جآءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير قد جآءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من اَلظلمات إلَى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم” [سورة المائدة، الآيتان: 15 – 16].
-
بارك الله فيكم،
ودمتم عند قيمكم ان شاء الله
التعليقات