Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

محمد ميارة الفاسي.. (1)

لم يرتبط اسم علم من أعلام المغرب باسم العلامة عبد الواحد بن عاشر صاحب المتن الشهير ارتباط سيدي محمد ميارة الفاسي به.. فالرجل كان قريبا منه مقبلا على مجالسه، بل قد أسهم في تقريب المرشد من أذهان الناس حتى صار المرشد المعين على الضروري من علوم الدين جزءا من الثقافة الدينية الممزوجة بعناصر الاجتماع المغربي في مختلف تجلياته.. وقد آثرت في هذه الحلقة أن أعرف بهذا العلم الفاضل ومن خلاله بفهرسه النفيس، الصغير الحجم كبير الفائدة..

هو أبو عبد الله محمد “فتحا” بن أحمد ميارة الفاسي، ولد بمحروسة بفاس سنة 999هـ. استفاد من جلة مشايخ عصره، وعلماء عصره، منهم: الفقيه العلامة عبد الواحد ابن عاشر صاحب المنظومة المشهورة في العبادات والمسماة بالمرشد المعين على الضروري من علوم الدين، وأحمد بن محمد المقري، صاحب نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، وأزهار الرياض في أخبار عياض.. وكان سيدي محمد ميارة يقول في حق أستاذيه الكبيرين: ابن عاشر والمقري: “كنت أجلس بمجلس المقري فأجد العلم كله واضحا، فإذا جلست بمجلس الشيخ ابن عاشر وجدته كله مشكلا، قال الإفراني: يشير إلى أن المقري كان حافظا لا يتعقب المسائل، وابن عاشر كان نقادا يحك المسائل حتى يستنبط منها أمورا تنشط منها الأنظار وتحير الأفكار[1].  

وقد أخد محمد ميارة أيضا عن العلامة الفقيه أبو الحسن علي بن قاسم بن عمر البطوئي، والمتصوف الكبير محمد بن أحمد العياشي، ومحمد بن أبي النعيم الغساني، والفقيه أحمد بن أبي العافية، وسيدي عبد الرحمن الفاسي، وما أدراك ما عبد الرحمن الفاسي، كما أخذ عن أستاذ النحو قاسم بن أبي العافية الشهير بابن القاضي.

أما الذين أخذوا عن محمد ميارة فنذكر منهم محمد ميارة المعروف بالصغير، والفقيه محمد المجاصي، والعلامة الأديب الرحالة سيدي أبي سالم العياشي صاحب الرحلة المشهورة الموسومة بـ “ماء الموائد”..

إن سيدي محمد ميارة يندرج ضمن سلسلة مباركة لانتقال العلم والصلاح في بلدنا المبارك، ويكفي أن نعرف أن هذه السلسلة تضم ابن عاشر والمقري وأبي سالم العياشي حتى ندرك مسألة طالما أشرت إليها في مقالاتي حول علماء المغرب، وهي أن منطقا ثاويا يسري في ثنايا الاجتماع والعمران المغربي مفاده أنه يصعب تفكيك معطيات التاريخ العلمي والحضاري للمغرب من دون استحضار هذه السلاسل المباركة في علاقتها بالمجال والإنسان. إن عملا كهذا –والذي لا يخفى على ذوي النباهة أنه عمل أنثربولوجي كبير– سيمكن من إعادة تركيب عناصر الشخصية المغربية في بعدها العلمي المعرفي أملا في استعادة ألق نفتقر إليه اليوم بشكل مزمن بخصوص أزمة العلم والقراءة والتكوين والأستاذ والتلميذ والتربية والجامعة، وعلاقة كل ذلك باجتماعنا المغربي ضمن رؤية عمرانية شاملة نرجو من الله أن تتحرك الهمم من أجل وضعها ضمن أولويات النهوض ببلادنا..

لنعد إلى سيدي محمد ميارة لنتعرف على مساهماته الفكرية ولنقل مع محقق فهرسة سيدي محمد ميارة الفاسي الأستاذ الفاضل بدر العمراني الطنجي[2]، أن يراع سيدي ميارة قد خط تآليف لقحت العقول والأفكار، وسارت بها الركبان في شتى البقاع والأمصار، وهاهي ذي أسماؤها مجللة بلباس الإجلال والإكبار: شرح المرشد المعين، واسمه: الدر الثمين، والمورد المعين، في شرح المرشد المعين، على الضروري من علوم الدين، وهو مشهور ومطبوع ومتداول. وهذا يدل على رغبة صاحبنا في تقريب إنجاز أستاذه التاريخي من أفهام الناس ومن المجتمع، وهو الذي قال أنه كان يحس أن دروس أستاذه بن عاشر كان مشكلة، أي مليئة بالمسائل العويصة الغميسة التي تعطي للمجلس هيبته دون إخلال بمبدأ التيسير والمنهج العلمي الرصين، فالاستشكال هنا تركيب من أجل التبسيط، ويبدو أن صاحبنا ميارة قد اعتمد في شرح “المرشد المعين” على التبسيط من أجل التركيب، لا التركيب النظري الصرف ولكن التركيب في علاقته بحياة الناس واجتماعهم السياسي والمدني.. وله أيضا شرح تحفة ابن عاصم[3] لكن الإفراني في صفوة من انتشر يقول: إن خطبة هذا الشرح من إنشاء تلميذه أبي سالم العياشي، وإنني أرى أن هذا الأمر لن يزيد ميارة إلا عظمة وسموا، كما يشرف سيدي أبي سالم العياشي، وما أدراك ما سالم العياشي.. عظماء أخذوا عن عظماء، ومهما يكن؛ فإن تفاني هؤلاء الأفذاذ في تلقي العلم وتلقينه، والبحث عنه عبر الرحلة والإجازة، وتوثيقه في الكتب كاف لنقول عنهم عظماء بدون أدنى تحفظ.. اللهم اجعل بلدنا بلد العلم والعلماء، ففي العلم دواء لكل الأمراض الفكرية والتربوية والسياسية..

لصاحبنا ميارة أيضا شرح لامية الزقاق[4]، وشرح هدي الساري مقدمة ابن حجر على صحيح البخاري سماه بنظم اللآلئ والدرر في شرح مقدمة ابن حجر أو معين القاري لصحيح البخاري، وتذييل المنهج المنتخب وشرحه[5]، وتنبيه المغترين وكفاية المضطرين، في التفريق بين المسلمين بما لم ينزله رب العالمين، ولا أخبر به الصادق الأمين، ولا ثبت عن الخلفاء المهتدين، قال الأستاذ عبد السلام ابن سودة في دليل مؤرخ المغرب لعبد السلام ابن سودة استهلها بقوله: الحمد لله الذي بدأ خلق الإنسان من طين إلخ، “وهو” جواب له على رجل ليس من العرب منعوه من الطلوع إلى حانوت بالقسارية بفاس لكونه من المهاجرين الذين أسلموا قريبا، بسط في ذلك القول بسطا خرج فيه على الحد، وكاد أن لا يجعل فضلا للعرب أصلا، وإنما هو للمعجم يقع في نحو الأربعة كراريس توجد منها نسخة بخزانتنا الأحمدية ضمن مجموع، كتب عليها سيدنا الجد الشيخ الجماعة المولى أحمد بن الطالب بن سودة رحمه الله ما لفظه، أما المنع حيث لا ضرر ولا ضرار، فلا وجه له: وأما الاحتجاج بكون هذا الذي اقتعد في الحانوت، من جنس كذا فهو احتجاج واه فلا يؤيده كتاب ولا سنة. وأما التلقيب بما يؤذي فممنوع لا في حق هذا الذي طلع ولا في حق غيره، قال تعالى “ولا تنابزوا بالألقاب” فكما لا يسوغ لغير هذا الجنس ذلك، كذلك لا يسوغ لهذا الجنس أن يلقب غيره بما تأذى به، والملمون في الحكم الشرعي أمرا ونهيا سواء، وفي الحديث: “سباب المسلم فسوق” فليت هذا المؤلف مشى مع الحق وبين فيه الحق سواء جميع المسلمين ولم يأت بما شم منه أنه لا عبرة بالنسب إذا وجد الإسلام والتقوى، فقد عدل في ذلك عن الصواب ولم ينزل الناس منازلهم ولم يعطي كل ذي حق حقه حيث طغى به القلم وخرج عن فصول السؤال، والله يغفر لنا وله: ويعصمنا جميعا من الخطأ والزلل، والحاصل أن الممنون عليه بالإسلام ولا ينكر فضله، كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم، ثم وراء ذلك مزايا ولا تنكر لأربابها[6]،وهذا يبرز ما ألمحت إليه من علاقة العلم بالعمران ومشكلات المدينة الإسلامية، فلا نعتقد كما يروج كثيرون أن كتب التراث المغربي محشوة بالقضايا النظرية والخلافات الجزئية والحواشي على الحواشي، بل تبرز الدراسة المتأنية بنفس تاريخي منهجي أنثربولوجي أن كتب التراث –بشكل عام- خزان لا ينضب لفهم عناصر الاجتماع المغربي، وعلاقة ذلك بالطبيعة والتاريخ. ويفيدنا الأستاذ بدر العمراني الطنجي في مقدمة تحقيقه لفهرسة محمد ميارة أن الشيخ عبد الحفيظ المدعو الكبير ابن المجذوب الفاسي الفهري (تـ 1295) رد على سيدي ميارة في موقفه هذا.  قال عبد السلام ابن سودة، استهله بقوله: الحمد لله الذي خلق نور نبينا محمد قبل الأوائل الخ: رد فيه على الشيخ ابن زكري والشيخ ميارة في ادعائهما تسوية العرب مع غيرهم في النسب، أطال في ذلك، يقع في نحو الأربعة كراريس به بتر في الأخير حسب النسخة التي وقفت عليها وهي في مجموعة بالخزانة الزيدانية بمكناس[7]. وللشيخ ميارة أيضا اختصار زهر البستان في أخبار الزمان لصالح بن عبد الحليم، أورده عبد السلام ابن سودة في كتابه دليل مؤرخ المغرب[8]، وقال: ذكر له في أسماء دار المخزن بفاس، ومنظومة في الوفيات: ذيل بها على منظومة ابي عبد الله محمد بن احمد المكلاتي (تـ 1041) وقد أورد أبياتا منها في هذه الفهرسة[9].

 يتبع في العدد القادم

———————————————-

1. انظر صفوة ما انتشر من أخبار الصلحاء القرن الحادي عشر للإفراني” تـوفي بعد 1155هـ” ص: 140 شجرة النور الزكية في طبقات المالكية لمخلوف ص: 309، معجم طبقات المؤلفين على عهد دولة العلويين لعبد الرحمن بن زيدان ق 105 ص.

2. دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى: 1430هـ/2009م.

3. استفاد منه الدسوقي في حاشيته.

4. استفاد منه الدسوقي في حاشيته.

5. طبع على الحجر بفاس، وقد حقق ونوقش في رسالة جامعية لنيل الدكتوراه الوطنية بتطوان.

6. دليل مؤرخ المغرب الأقصى، 73.

7. المرجع نفسه، ص: 72.

8. المرجع نفسه، ص: 74.

9. المرجع نفسه، ص: 281.

أرسل تعليق