Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

هوادي التعرّف (47)

التصوف على طريقة الجنيد السالك حَسب ما سُطِّر في منظومة فقيه القرويين ابن عاشر، ووِفق ما تَوارث في الأمة، يتــقــعّــد على ثمانية شروط ومبادئ:

المبدأ الثامن في طريق التصوف: التحلي بمقامات اليقين (3): بيَّن الناظم رحمه الله مقامات اليقين بذكر أسمائها، فقال:

خَـوْفٌ رَجَــا شُكْرٌ وَصَبْرٌ تَوْبَةٌ              زُهْــدٌ تَـــوَكُّـلٌ رِضَـا مَـحَـبَّـةٌ

بعد الخوف والرجاء، ينتقل الناظم إلى ذِكر مقام رفيع من مقامات اليقين، الخاص بدائمي الصلة بالله، والذي أخبرنا الحق عز وجل أنه مقام قِلّةٍ من عباده حيث قال: “وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُور” [سبأ، 13]، والشكر يقتضي الحمد في السراء والضراء، ظاهرا باللسان، وباطنا بالقلب، وعمليا بالجوارح.

الشكر خُلقٌ من أخلاق الربوبية؛ قال سبحانه: “وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ” [التغابن، 17]، وهو خُلقٌ من أخلاق النبوة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أفلا أكون عبدا شكورا”[1] ، وهو خُلقٌ من أخلاق زمرة من عباده. قال عليه الصلاة والسلام: “ينادى يوم القيامة ليقوم الحمّادون، فتقوم زمرة فينصب لهم لواء فيدخلون الجنة، قيل: ومن الحمادون؟ قال: الذين يشكرون الله تعالى على كل حال”[2].

ولما كان الصوفية الكرام يَنشُدون في سلوكهم المقامات العلى ويطلبون الكمال من الأحوال، فقد تكلموا في الشكر وشمروا من أجله:

قال الشيخ زروق: “الشكر فرح القلب بالمنعم لأجل نعمته، حتى يتعدى ذلك إلى الجوارح، فينطق اللسان بالثناء، وتسخو الأعضاء بالعمل وترك المخالفة“.

وقال ابن عطاء الله: “الشكر ظاهر وباطن، فظاهره الموافقة، وباطنه شهود النعمة[3].

وقال الجنيد: “كنت بين يدي سري السقطي ألعب، وأنا ابن سبع سنين، وبين يديه جماعة يتكلمون في الشكر، فقال لي: يا غلام، ما الشكر؟ فقلت: ألاّ تعصي الله بنعمه، فقال لي: أخشى أن يكون حظك من الله لسانك ، قال الجنيد : فلا أزال أبكي على هذه الكلمة التي قالها السري لي[4].

وقال الشبلي: “الشكر رؤية الـمُـــنعِم لا رؤية النِّعم[5].

وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي: “قلت يوما وأنا في مغارة في سياحتي: إلهي متى أكون لك عبدا شكورا؟ فإذا علي يقول لي: إذا لم تر في الوجود مُنعَماً عليه غيرك فأنت عبد شكور، قلت: إلهي كيف لا أرى مُنعَماً عليه غيري، وقد أنعمْتَ على الأنبياء، وأنعمْتَ على العلماء، وأنعمْتَ على الملوك؟ فإذا علي يقول لي: لولا الأنبياء لما اهتديت، ولولا العلماء لما اقتديت، ولولا الملوك لما أمِنت، فالكل منةٌ مني عليك”[6].

وقال رجل لإبراهيم بن أدهم: “إن الفقراء إذا أعطوا شكروا، وإذا منعوا صبروا، فقال شفيق: هكذا تركْتُ كلاب بلخ عندنا، فقال له إبراهيم: فكيف الفقراء عندك يا أبا إسحاق؟ فقال: الفقراء عندنا إن مُنعوا شكروا، وإن أعطوا آثروا”.

والشكر على ثلاث درجات، فشكر العوام: على النعم، وشكر الخواص: على النعم والنقم وعلى كل حال، وشكر خواص الخواص: أن يغيب عن رؤية النعمة برؤية المنعم.

ويكون على ثلاثة أقسام:

شكر بالقلب: وهو فرح القلب بالـمُنعِم، مع العلم أن نعمه تفضُّلٌ منه لا استحقاق، قال الله عز وجل: “وَمَا بِكُم مِّن نِعْمَةٍ فَمِنَ اللّه” [النحل، 53].

وشكر باللسان: وهو الثناء والحمد له، مع التحدث بالنعم وإظهارها ونشرها، قال تعالى: “وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ” [الضحى، 11]، ودون الغفلة عن السبب بالمسبب. قال عليه الصلاة والسلام: “أشكر الناس لله أشكرهم للناس”[7].

وشكر الجوارح: وهو تسخيرها في العمل الصالح، قال تعالى: “اِعْمَلُوا ءَالَ دَاوُودَ شُكْرًا” [سبأ، 13]، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام حتى تورمت قدماه، فقيل له: يا رسول الله أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: “أفلا أكون عبدا شكورا”[8].

يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى..

—————————————

1. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأطعمة، باب الطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر، ح: 2367.

2. مسند أحمد، ح: 14049، والدارمي في سننه، كتاب المقدمة، ح: 5.

3. لطائف المنن، ص: 148.

4. غيث المواهب العلية، ص: 92.

5. الرسالة القشيرية، ص: 175.

6. لطائف المنن لابن عطاء الله السكندري، ص:61.

7. شعب الإيمان، 6/516، ح: 918، والترغيب والترهيب، 2/45، ح: 1435.

8. صحيح البخاري، ح: 2367.

أرسل تعليق