Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

هوادي التعرّف (44)

التصوف على “طريقة الجنيد السالك” حَسب ما سُطِّر في منظومة فقيه القرويين ابن عاشر، ووِفق ما تَوارث في الأمة، يتقعّد على ثمانية شروط ومبادئ:

المبدأ السابع في طريق التصوف: مجاهدة النفس (2): يقول الناظم رحمه الله:

يُجَاهِدُ النَّفْسَ لِرَبِّ الْعَالَمِين      وَيَـتَحَلَّى بِمَقَامَاتِ الْيَقِين

أشار الناظم بقوله: لِرَبِّ الْعَالَمِين، إلى أن القصد الذي يبتغيه السالك من مجاهدته هو تحقيق العبودية لله عز وجل، والقيام بما يجب من حقوق الربوبية، تحرزا من أن يقصد بمجاهدته التحقق بالرؤى والكرامات وخرق العادات، أو نيل المراتب والمقامات، فتلك شهوة خفية، وفتنة وبلية، قاطعة عليه طريق العبودية، قال صاحب الحكم: “لا ترحل من كون إلى كون، فتكون كحمار الرحى يسير، والذي ارتحل إليه هو الذي ارتحل عنه، ولكن ارحل من الأكوان إلى المكون، “وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى”[1]، فإذا رحل القلب من وطن شهوته، وتطهر من لوث تعلقاته الفانية، وصل إلى حضرة ربه، وتنعم بشهود قربه.

والقصد أن يكون العمل لله خالصا صوابا، فقد أومأ صاحب الحكمة إلى أن الكون المرتحل إليه هو العمل على قصد الثواب، ونيل المراتب والمقامات، وهذا انحراف عن الطريق السوي، لذلك نبه إلى تصحيح القصد بقوله: “ولكن ارحل من الأكوان إلى المكون“، واستدل على ما ذكره بقوله: “وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى” [النجم، 41]، فالمرتحل من كون إلى كون غير مُــــنْـــتَـــهٍ ولا واصل، والمرتحل عن الأكوان إلى الله تعالى هو المنتهي والواصل، وتوحيد القصد وإخلاص العمل لله وحده، هو سبيل النجاة والفلاح، وهو الذي يؤثر في صفاء الباطن وينور القلب..

قال المستغانمي في ديوانه مشيرا إلى عدم الإنحجاب عن الله بهذه الصفات والتلونات:

وَغِبْ عَــنِ الصِّـــفَات        وَافْنَ فِــي ذَاتَ الذَّات

هَــــذِي تَـلَـــوُّنَـــــات        مَـصِـيــــرُهَـــا لِلـــــه

لقد ذكر الله تعالى الطرق التي يسلكها الناس إليه، فبيَّن أن الحق منها ما هي موصلة إليه، فقال: “وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ” [النحل، 9]،وقوله تعالى: “وَمِنْهَا جَائِرٌ“، أي: حائد مائل زائغ عن الحق.

ويشير حجة الإسلام أبو حامد الغزالي إلى أن القصد والنية والإرادة صفة قلبية ملازمة للعمل. يقول رحمه الله تعالى: “اعلم أن النية والإرادة والقصد عبارات متواردة على معنى واحد وهو حالة وصِفَة للقلب يكتنفها أمران: علم وعمل، العلم يقدمه لأنه أصله وشرطه، والعمل يتبعه؛ لأنه ثمرته وفرعه[2].

وفي حكمة عطائية أخرى: “ما أرادت همة سالك أن تقف عندما كشف لها إلا ونادته هواتف الحقيقة: الذي تطلب أمامك، ولا تبرجت ظواهر المكنونات إلا ونادته حقائقها: إنما نحن فتنة فلا تكفر“، فالسائر إلى الله تعالى قد يتجلى له أثناء سلوكه ومجاهدته أنوار وأسرار، وكلما أرادت همته أن تقف عند ما كشف لها من ذلك لاعتقاده أنه وصل إلى الغاية القصوى والنهاية من المعرفة، نادته هواتف الحقيقة بأن الذي تطلبه، وهو الله عز وجل أمامك، فإنما نحن فتنة فلا تكفر..

وما أحسن قول الشيخ أبي الحسن الشُّشتري في هذا المعنى:

فلا تلتفــت فــي الســير غيرا وكــل          ما سوى الله غيــر فاتخذ ذكره حصناً

وكـــل مقـــــام لا تقـــم فـــيه إنــــه          حجاب، فجد الســير واستنجد العونا

ومهما ترى كــل الـــمراتب تجــتلـى          عليك، فحل عـنها فعن مثــلها حلنــا

وقل ليـس لي في غير ذاتك مطلـب          فلا صورة تجلى ولا طرفـة تجنــــــى

يتبع في العدد المقبل..

———————————-

1. غيث المواهب العلية، ص: 65.

2. إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي، دار الفكر، الطبعة الأولى، 2006م، (4/3139).

أرسل تعليق