-
قال الإمام الغزالي رحمه الله: "إن مقصود الشرع من الخلق خمسة: أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة"
إحياء علوم الدين -
ولا يفوتني في هذا المقام أن أقول أن الأمن نعمة من أجل نعم الدنيا والآخرة، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: [اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا].
وكل تفريط في نعمة الأمن كفر بها عاقبته وخيمة، وتقدير نعمة الأمن ورعايتها هو الطريق للتمتع بها، والإنسان في نطاق الأمن يملك الطاقة الفاعلة للإسهام في التجديد والتطوير والبناء والتعمير فضلا عن عبادة الله كما يجب.
الله -
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الأمن كلمة مصطلح له في النفس الإنسانية، إدراك متميز، ومنزلة فريدة؛ ولأن مدلولها يضمن للناس الحياة المطمئنة، والعطاء الدائم المستمر والبذل المرغوب فيه، والعيشة الكريمة.
والناس يسعون بحرص أن تكون مظلة الأمن ملاذهم الذي يضمن وجودهم؛ ولأنه الكفيل بالاستمرار والاستقرار، وهو الذي يصون الحياة من لفح هجير التدمير والتخريب.
ماهو مفهوم الأمن:
ولفظة الأمن في الدلالة اللغوية كما عرف ذلك بن فارس في معجم مقاييس اللغة: الهمزة والميم والنون أسان متقاربان أحدهما الأمانة، والأمن ضد الخوف، والأمانة ضد الخيانة، والإيمان ضد الكفر، والإيمان بمعنى التصديق بدل التكذيب.
وأما الأمن في القرآن الكريم والسنة الشريفة فذو شجون، معناه أن كل ما أتى به الوحي يؤسس القواعد الصلبة المتينة التي تقوم على ركائزها حياة تتوافر فيها كل أسباب الأمن والطمأنينة، وتسمو بالبشرية إلى الأفق الأرحب من التعاون على الخير والبر، ويبعد عنها مزالق الفتنة والاضطراب والقلق.
لذلك نجد الكلام قد جاء في القرآن والسنة عن الأمن على ضربين:
أولها: الركائز التي يقوم عليها الأمن العام لجميع الناس.
ثانيها: الكلام المباشر عن مادة الأمن بجميع ما لها من مشتقات لغوية، وهنا لابد من الإشارة إلى ما كانت عليه حياة المجتمعات البشرية قبل الإسلام، إذ فقدت هذه المجتمعات كل أسباب الاستقرار لعدم توفر الأمن، والطاغي هو منطق المخلب والناب والنهب والسلب والحروب لأتفه الأسباب.
وبمجيء الإسلام بمنهاج يكفل الأمن للبشرية لتسعد في ظله يقوم على دعائم كالآتي:
1. حقيقة الإيمان الذي حرر الإنسان من أسباب المهانة بقوته العادلة لحماية الحق، ونصرة الخير، وتوثيق وشائج الأخوة والمودة بين جميع أبناء آدم؛
2. الأمن في القرآن والسنة تعبير عن عالمية الإسلام لمخاطبة الفطرة بالوسطية والاعتدال؛
3. الأمن في الإسلام هو سلام العزة والكرامة الذي لا يقبل الدون والهوان من العيش عملا بقوله تعالى: {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم} محمد الآية 35؛
4. الأمن بوحدة الأمة وهنا لب القصيد الذي وفق إليه أخونا صاحب الفضيلة الأستاذ المحترم عبد الله هيتوت تحت عنوان نعمة الأمن؛ ولأن الإسلام يعتبر الإنسانية جمعاء أمة واحدة، بحيث يحيى كل إنسان آمنا على نفسه وماله وعرضه، متمتعا بكل حقوقه، محافظا على واجباته دون إهمال أو تقصير.
والعقوبات الشرعية هي القادرة وحدها لتوفير الأمن على الأنفس والعقول والأموال والأعراض لردع الجناة وزجر من توسوس لهم شياطين الإنس والجن على أمن الناس وترويعهم.
والضمائر الشريرة، والنفوس المريضة والمشاعر السيئة والأخلاق المنحلة والمنحطة يجب ألا تترك دون علاج حتى يتمتع الناس ببهجة الحياة وأنسها واستقرارها وهنائها، إذ لابد لها من عقوبات وهذه العقوبات ضرورة لحماية الأمن من عبث العابثين وفساد المفسدين، ومن لا دين لهم ولا خلاق وللقضاء على مجتمع الغاب وقوته الباطشة الغاشمة التي تفتك بمن لا حول لهم ولا طول.
التعليقات