نظرات في التحدي التربوي..(8)
قال الله تقدست أسماؤه: “قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ” [المجادلة، 1].
لابد للمرء أن يشعر بالاغتباط للوعي المتزايد لدى الأسرة المسلمة حول نوعية العلاقة التي ينبغي أن تقوم بين مختلف أفرادها، وقد بدأ كثير من الناس يدرك اليوم أن النجاح الحقيقي ينطلق من البيت، ومن نوعية العلاقة مع أقرب الناس إلينا، وليس هناك أقرب إلى الزوجة من زوجها كما أنه ليس هناك أقرب إلى الزوج من زوجته وما أجمل قول الله تبارك وتعالى في هذا المعنى “وَمِنَ ايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ اَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً” [الروم، 20].
إن التواصل والسكينة والمودة والرحمة بين الزوجين هي أس العلاقة التي ينبغي أن يسود بينهما، فإذا غابت هذه المعاني أو ضعفت صارت الحياة الزوجية باهتة وشائخة، وربما تحولت إلى عبء ثقيل، وإلى مصدر للهموم والمشكلات التي لا تنتهي!
وقد أكدت بحوث كثيرة أن غياب الحوار والتواصل بين الزوجين يعد من الأسباب الرئيسة للشعور بالتعاسة والتفكك الأسري. وهناك عدد غير يسير من الأزواج والزوجات الذين ينظرون إلى تجربتهم الزوجية على أنها ورطة حقيقية لكنهم لا ينفصلون عن بعضهم مراعاة لأولادهم أو حتى لا تلوكهم ألسنة الناس، أو احتراما للرابط العائلي، وهذا يعني أن روح الحياة الزوجية ومبررات استمرارها فقدت أسبابها ومقاصدها العليا.
ومن مفردات هذا الموضوع وأبجدياته أن التحاور بين الزوجين أمر ضروري للتغلب على كثير من المشكلات التي تواجههما، لكن يبدو أن المشكلة هي في تصور فهم كل واحد من الزوجين لطبيعة شريكه وحاجاته واهتماماته وتطلعاته، مما يجعل الحوار عقيما في كثير من الأحيان، وعقمه يؤدي طبعا إلى التقليل منه ليفضي إلى تعطيله وقطع دابره مرة واحدة. ومن ثم؛ فإن الحوار والتواصل المتين بين الزوجين هو الحبل السري الذي تتغذى منه السعادة الزوجية، وهو ضروري ومهم ليس لحل المشكلات فحسب، ولكن لمنع وقوع المشكلات والتخبط في تداعياتها ونتائجها.
ومن الواضح أن المرأة تكره الركود في العلاقة الزوجية، وتريدها مفعمة بالحركة والدفء والعطاء والتواصل، فإذا أحست بأن هذه المعاني غائبة أو منعدمة؛ فإنها على استعداد لافتعال أي مشكلة حتى تعيد الدفء والطاقة المعنوية للحياة الأسرية المشتركة. لذلك؛ فإن المرأة تعتقد أن على الرجل أن يكلمها وأن يهيء دائما مادة للحوار والمحادثة، وهذا مما يعاني منه الرجال بشدة في ثقافتنا العربية الإسلامية، ولذلك عادة ما يتهم الرجل بأنه صموت، أو مقصر في الحوار مع زوجته، وبغض النظر عن صدق هذه الأحكام ونسبيتها؛ فإن على الرجل أن يتحمل مسؤوليته المعنوية في التواصل مع زوجته كما يتحمل مسؤولية النفقة وتأمين الشروط الضرورية لاستقرار الأسرة. إن الحوار في عقيدة المرأة هو أهم وأولى من جميع الضرورات الحسية التي يدركها الرجال ويقدرونها. ومن ثم، لابد أن يتحادث الزوجان، ويشكو كل واحد منهما للآخر، ويطلب مشورته في بعض ما يعنيه. وفي سيرة سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم محادثات، وأحيانا حوارات كثيرة بينه وبين زوجاته، ومن أجملها وأبلغها ما يعرف عند العلماء بحديث أم زرع، وفيه أن عائشة رضي الله عنها ذكرت أن إحدى عشرة امرأة جلسن وتعاهدن على ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا، وأخذت كل واحدة منهن تصف زوجها بكلام بليغ جدا، وكانت أم زرع هي المتحدثة الأخيرة، وقد مدحت زوجها بما لا مزيد عليه، وحين انتهت عائشة من ذكر قصتها الطويلة قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: “كنت لك كأبي زرع لأم زرع”، فقالت عائشة رضي الله عنها “يا رسول الله بل أنت خير من أبي زرع، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: نعم فقد طلّقها، وإنّي لا أطلقك..
أرسل تعليق