نشأة الفن المعماري
“نشأ الفن مع الإنسان منذ بدأت الحياة الإنسانية” عبارة لا يختلف فيها اثنان ممن يدرسون تاريخ الإنسان، سواء من الوجهة النفسية أو الوجهة الاجتماعية، ولكن هذه العبارة على بساطتها، ومع تسليم الجميع بها، تتضمن ثلاث مشكلات من أعوص المشكلات التي واجهها العقل البشري في حياته، وهي مشكلة الحياة الإنسانية ذاتها، وكيف بدأت، ثم نشأة الفن نفسه، بوصفه عملا مرتبطا بالإنسان ومستقلا في ذاته في الوقت نفسه، وأخيرا الضرورة التي ربطت بين الفن والإنسان، وأوجبت هذا التلازم بينهما على مر الزمن.
طبيعي أنه في أول مراحل الحياة البشرية لم يكن هناك فن بالمعنى المفهوم لنا الآن، بل كان هناك استكشاف لوسائل وأدوات تعين الإنسان على الحياة، ومن ثم نشأ الوعي الخلاق لدى الإنسان الأول عندما استخدم يده في صنع هذه الأدوات، وهو لم يصنعها إلا بعدما استكشف أنها نافعة له، فقطعة الحجر مثلا ذات الحافة القاطعة التي التقطتها يده للمرة الأولى جعلته يستكشف فيها إمكانية أن تحل محل أسنانه وأظافره في تمزيق الفريسة أو نهشها وتوزيع أشلائها، وهذه هي نفحة الفن ومبعثه في تلك البدايات السحيقة في تاريخ الإنسان، يقول “فشر” المؤرخ الاجتماعي للفن: “إن الوظيفة الأساسية للفن كانت هي منح الإنسان القوة إزاء الطبيعة وإزاء العدو أو إزاء الواقع” [1].
ومن هذا المنطلق يمكن القول إن الفن ليس لهوا أو مجرد ترف، مهما يكن هذا الترف رفيعا، بل الفن ضرورة ملحة من ضرورات النفس الإنسانية في حوارها الشاق والمستمر مع الكون المحيط بها، وظهور الفن في حياة الإنسان كان ظاهرة جديدة من غير شك، وكل ظاهرة نتيجة لمجموعة من العلاقات الجديدة التي تكون أحيانا شديدة التعقد، ومن ثم لابد أن ندخل في اعتبارنا لنشأة الفن الأولى حواس الإنسان وانعكاس الأشياء عليها، فربما كان لجاذبية الأشياء اللامعة والبراقة والمشعة، ولجاذبية الضوء الخارقة، دورها في مولد الفن.
ولنا عودة في العدد القادم بإذن الله تعالى لنتكلم عن الفن الإسلامي.
ذ. رانية العلالي
باحثة
————
1. الفن والإنسان لعز الدين إسماعيل: دار القلم بيروت، ص: 18.
أرسل تعليق