نحن والقيم (5/5)
5- من أجل أجرأة ناجعة لسكب القيم في كيان المجتمع
إن أي مجتمع يرنو لِأن يكون له وجود مستقبلي بالنظر إلى موضوع القيم، ينبغي له أن يكون متوافراً على ثلاثة أنواع من الآليات: تنظيرية، وتربوية، واجتماعية.
1. الآليات التنظيرية لتمكنه من:
• ضبط معالم وحدود مرجعية المجتمع وكذا منطقها الداخلي؛
• ضبط مناهج قراءة المرجعية واستنطاقها والاستنباط منها وبلورة التمثل لها وكذا ضبط مناهج تنقيح هذه المناهج وتفعيلها؛
• ضبط مناهج التعرف على الواقع La représentation du réel، محليا، وإقليميا، وعالميا، وكذا ضبط آليات التحسس على التوجهات الكبيرة العارمة ”Les mégatendances” التي تتبرعم فيه لتوظيفها إن كانت إيجابية، أو لاجتنابها إن كانت سلبية، أو لمقاومتها إن كانت مدمرة مخترقة؛
• ثم ضبط آليات تفعيل القيم الإيجابية الموجودة وإنتاج الأخرى المفقودة استهداءً بعناصر الضبط المتقدمة؛
• وهذا يفيد أن الجهات التي تُحرك هذه الآليات التنظيرية متعددة (وزارات التربية الوطنية، الجامعات والمنتديات، ومستودعات التفكير”Think Tanks”، والجمعيات المختصة، وهيئات العلماء الخ..)..
2. الآليات التربوية والتواصلية
لتمكن المجتمع من تعدية هذه القيم إلى أفراده بطريقة فعالة وإيجابية ومقنعة، وتندرج تحت الآليات التربوية المقتضيات الآتية:
• المقتضايات التكوينية؛
• المقتضيات المنهاجية؛
• المقتضيات الديداكتيكية؛
• المقتضيات الحكامية؛
• المقتضيات التقييمية.
3. الآليات الاجتماعية
لتُمكّن المجتمع من العبور بثمرات الآليات السالفة، إلى مختلف أنواع العمل العام الذي يتخذ المجتمع برمّته ميدانا له من خلال
• العمل الثقافي؛
• العمل الجمعوي؛
• العمل السياسي؛
• العمل الاجتماعي؛
• العمل الإعلامي..
فما هي اليوم حدود فعالية وإنتاجية وتناسق وتكامل هذه الآليات؟ وما هي توجهاتنا في تحديد خصاصاتنا بشأنها؟ وما هي إنجازاتنا من أجل تجاوز هذه الخصاصات استراتيجية وتخطيطا وتنظيما وتشريعا وتقويما؟
إن جردا سريعا لسمات الوضع الراهن لنظمنا التعليمية –وهي الحلقة الأساس في عملية سكب القيم في كيان المجتمعات- بخصوص القيم يفيدنا ستّ إفادات رئيسة:
• مسألة القيم لا تندرج ضمن البناء التمثّلي والتصوري الديناميكي الذي تقتضيه أهمية القيم كما بسطنا خطوطه العامة آنفا؛
• التوجيهات الواردة بهذا الشأن رغم أنها مهمة، لا تتجاوز التعميم إلى التخصيص والتدقيق والأجرأة؛
• الاستراتيجيات البيداغوجية لا تمكن من تحقيق هذه التوجيهات الواردة رغم عموميتها بل وربما بسبب عموميتها؛!
• التداخل بين المجالات “المعرفي–العقلي” و”الحس-حركي” و”الوجداني” في التخطيط لتحقيق القيم في فكر وبنية ووجدان المتلقي، يجعل من الاضطلاع بهذه الوظيفة أمرا بالغ الدقة والتركيب، مما يجعل تنفيذنا لها لا يرقى في كثير من الحالات إلى تحقيق المطلوب؛
• الضعف البارز في ضبط التعامل مع الأهداف التربوية المنتمية إلى المجالات الثلاثة المذكورة أعلاه، وخصوصا الأهداف الوجدانية التي لها صلة مباشرة بالقيم، ونلاحظ هذا الضعف في وضع الأهداف وصياغتها، كما في الوسائل الديداكتيكية المتخذة وكذا في المتابعة والتقييم؛
• القصور الظاهر في بلورة نسق فعال للأنشطة الموازية، والدعامات التقنية المواكبة، سواء كانت سمعية بصرية أم مقروءة مما من شأنه أن يمكّن من دعم أداء التخطيط المنهاجي، والعمل القسمي لتركيز القيم في وُجدانات وعقول الخاضعين للعملية التربوية..
يبرز أن استدراك ما سلف يقتضي جملة تدابير
• وضع تأصيل معرفي أولي للمجال التصوري الذي ينبغي أن يندرج ضمنه زرع القيم في بلداننا؛
• التجديد في مجال وضع وبناء الصنافات المفصلة للأهداف الوجدانية، المصوغة من مختلف القيم التي نريد تركيزها في وجدانات المتلقين وأجهزتهم المفاهيمية، في ضوء التأصيل المذكور أعلاه، ثم أجرأة هذه الأهداف لتكون قابلة للتنفيذ في مختلف أشكال النقل والاتصال مع وجوب الحرص على التكامل الذي نصصنا عليه سابقا؛
• وضع سلسلة مصوغات تكوينية تضم مجموعة من التقنيات والأنشطة الملائمة لهذا المجال، والقابلة للاندراج ضمن تنفيذ الاستراتيجيات التربوية والاتصالية؛
• وضع بعض طرائق التقييم لقياس الأداء في مجال ترسيخ وتركيز القيم التي تم تحديدها في وجدانات المتلقين؛
• التنسيق بين كل هذه الأهداف ضمن استراتيجيات عامة لتيسير التنفيذ..
والله المستعــان.
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
أرسل تعليق