مُتْعَةُ التَّفْكِير
مهارات التفكير
أما مهارات التفكير: فهي عمليات محددة نمارسها ونستخدمها عن قصد، في معالجة المعلومات، مثل: مهارات تحديد المشكلة، إيجاد الافتراضات غير المذكورة في النص، أو تقييم قوة الدليل، أو الادعاء.
والعلاقة بين التفكير ومهارات التفكير كالعلاقة بين لعبة كرة المضرب وما تتطلبه من مهارات، مثل رمية البداية، الرمية الإسقاطية..
ويسهم كُلٌّ منهما في تحديد مستوى اللعب وجودته. كما يتألف التفكير –أيضا- على مهارات متعددة تُسْهِمُ إجادَةُ كُلٍّ منها في فاعلية عملية التفكير. “جروان: 1999م، 35”.
• الشريعة والتفكير
نَزَلَ القرآن الكريم على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام يَدْعُو البشرية قاطبة إلى الإِبْحَارِ في التفكير، فتعامَلَ معه الصحابة بمنهجية عميقة، وطرائقَ دقيقة، مِنْ أَجْلِ ذلكَ جَالَتْ عُقولُهُمْ وصَالَتْ، للتفكير في معانيه وتراكيبه وأساليبه وإِعْجَازِه..
فهذا معاوية -رضي الله عنه- يَدْخُلُ عليه عبد الله بن عباس، فيقول معاوية: “لقد ضَرَبَتْنِي أمواج القرآن البارحة، فلم أَجِدْ لنفسي خَلاصاً إلا بِكَ“[1]، ويعرض عليه آية من الآيات التي اسْتَشْكَلَهَا، فَيُبَيِّنُها له عبدُ الله بن عباس، رضي الله عنهما.
وإِذَا اسْتَقْصَيْنَا لَفْظَ “التفكير” نجد أن مشتقَّاتِهِ ذُكِرَتْ في القرآن 18 مَرَّةً بالمفردات التالية:
أ. “يتفكرون” 11 مرة
1. “الَذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالاَرْضِ ربَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” [آل عمران، 191]؛
2. “إنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ اَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الاَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالاَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الاَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا اَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالاَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الاَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” [يونس، 24]؛
3. “وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الاَرْضِ وَاتـَّــبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَذِينَ كَذَّبُوا بأياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ” [الاَعراف، 176]؛
4. “وَهُوَ الَذِي مَدَّ الاَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ ءَلاَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفكَّرون” [الرعد، 3]؛
5. “يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالاَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ ءَلايَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” [النحل، 11]؛
6. “وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ” [النحل، 44]؛
7. “ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ اَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ ءَلاَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” [النحل، 69]؛
8. “وَمِنْ ايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ اَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً اِنَّ فِي ذَلِكَ ءَلاَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” [الروم، 20]؛
9. “اللَّهُ يَتَوَفَّى الاَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَ وَيُرْسِلُ الاُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسْمًّى اِنَّ فِي ذَلِكَ ءَلاَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” [الزمر، 39]؛
10. “وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ ءَلاَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” [الجاثية، 12]؛
11. “لَوْ اَنزلْنَا هَذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الاَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ” [الحشر، 21].
ونَلْحَظُ هنا أَنَّ السِّياقَ القرآنِيَّ جاء بالفعل المضارع الذي يدل على الغائب، ومنه يتضح لنا أن التفكير مستمِرٌّ؛ لأن الفعل المضارع يدل على الاستمرار، والفعل الماضي يدل على التوقف عن القيام بالفعل، ودلالة الغائب يتبين لنا منها أن التفكير للجميع، لا يختص بمرتبة علمية دون غيرها، أو لِلْعَالِمِ دون الجاهل، أو كبير دون صغير، وقد جاءت كلمة “يتفكرون” في أغلب الآيات في معرض مدح أو حَثٍّ وتحضيضٍ على التفكير.
ب. “تتفكرون” 3 مرات
12. “يسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الاَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ” [البقرة، 217]؛
13. “اَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الاَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الاَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ” [البقرة، 265]؛
14. “قلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ اِنَ اَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الاَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ” [الاَنعام، 51]؛
ج. “يتفكروا” مرتين
15. “اَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ اِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِين” [الاَعراف، 184]؛
16. “أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ” [الروم، 8].
د. “تتفكروا” مرة واحدة
17. “قُلْ اِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ اَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ اِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ” [سبأ، 46].
هـ. “فَكَّرَ” مرة واحدة
18. “اِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ” [المدثر، 18].
إشارة إلى أن الذي نزلَتْ فيه الآية فَكَّرَ وتَوَقَّفَ تفكيره بتقدير أمر ما، ولم يستمرَّ فَذُمَّ لأنه توقف عن التفكير، ولو فَكَّرَ لاهتدى.
وبالنظر في سياقات الكلمة في القرآن الكريم يمكن القول: إن ورود هذا اللفظ بصيغة الفعل يشير إلى أنه فِعْلٌ دَالٌّ على حركة إعمال العقل والنظر والتأمل، سواء في آيات الله تعالى أو سُنَنِهِ في الحياة والكون والنفس..
يتبع..
——————————
1. التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب الإمام فخر الدين الرازي، سورة الأنبياء.
أرسل تعليق