مولاي علي الشريف، قطب تافيلالت ورمزها الشامخ.. (8)
عن جهاده بالأندلس
يقول صاحب الجوهر الشفاف: جاءته هدايا من الأندلس وأرسال رافعين عليه الشكاية من الطاغية عدو الله الفونصو ومن أيده من أحلاف العرب، فكتب رضي الله عنه لأهل سوس الأدنى والأقصى وقبائل أهل الغرب يأمرهم بالجهاد ويرغبهم في تحصيل ثواب الله عز وجل وواعدهم طنجة. فلما أحس باجتماعهم ركب مع سيدي محمد بن إبراهيم فوجد بطنجة أقواما لا تعد ولا تحصى والسفن تنتظرهم، فدخل الجزيرة وهزم عدو الله الفنش ومن معه وأخذ أموالهم وسباياهم، فأخذ خمسه وقسم على المؤمنين المسلمين أربعة أخماس ذاك ورجع قابلا لهذه العدوة بعد مرة. فلما بلغ طنجة وجد والد السيدة فاطمة العمرانية الجابرية التادلية ثم القيسية جاء بها إليه فبنى بها بطنجة…
ورجع رضي الله عنه بجنوده ومن معه من المؤمنين وعباد الله المسلمين لمحاربة عدو الله الفينش ومن معه من الكافرين والعصاة المجرمين، فكانت الملاقاة بينهم ففل الله حدهم وهزم جيشهم وجندهم ورد في نحورهم كيدهم. وأقام بالجزيرة الأندلسية مع أهل الإيمان والإسلام من أهلها ستة أشهر حتى ملأ قلوب الكفار والعصاة منهم الذعر، فرجع ورجعت جيوش المسلمين والمؤمنين الموحدين من طنجة لبلاده. ولما وصل رضي الله عنه إلى داره ببلدة سجلماسة وطاب بها قراره في عبادة الله تعالى، وفي أثناء ذلك كان أهل الجزيرة الأندلسية يبعثون له أرسالهم يرغبونه في تولية بلادهم وتمليكه عليهم وتدبير أمورهم ورقابهم، فزهد في الأمر. فبقي بسجلماسة، حيث توفي ولده الأكبر مولانا الحسن، فأعطاه خديمه المرابط الخير الأرضى الأنصاري النسب سيدي محمد بن يحيى المازري بنته السيدة الزهراء وبنى بها وهو ابن ثمانين سنة فوُلد له منها أبو الفلاح مولانا يوسف…
ويرد أكنسوس[1] معلومات ضافية عن جهاد مولاي علي الشريف بالأندلس فيقول: “.. ودخل عدوة جزيرة الأندلس برسم الجهاد مرارا وأقام بها مدة طويلة ثم رجع إلى سجلماسة فكاتبه أهل الجزيرة يطلبون منه الرجوع إليهم ويحضونه على الاعتناء بأمور الجهاد ويشكون إليه ضعف الجزيرة وأنها محتاجة إلى من تجتمع عليه القلوب. وقد كانوا راودوه لما كان مقيما عندهم على أن يملكوه عليهم ويبايعوه والتزموا له الطاعة والنصر، فرغب عن ذلك زهدا وورعا وغض طرفه عن زهرة الدنيا “الحياة” رضى الله. وقد كتبوا له رسائل عديدة بعث بها إليه علماء غرناطة أعادها الله دار الإسلام يحضونه على الجواز إليهم واستنفار المجاهدين إلى حماية بيضة الإسلام ويذكرون له أن أهل غرناطة من علمائها وصلحائها ورؤسائها وظفوا على أنفسهم من خالص أموالهم دون توظيف سلطان عليهم أموالا كثيرة برسم الغزاة الواردين معه من المغرب. وحلوه في بعض تلك الرسائل بما نصه “إلى الضرغام الهمام، وقطب دائرة فرسان الإسلام، الشجاع المقدام الهصور الفاتك، الوقور الناسك، طليعة جيش الجهاد، وعين أعيان الأنجاد، المؤيد بالفتح في هذه البلاد، المسارع إلى مرضات رب العباد، أبي الحسن مولانا علي الشريف“..
يتبع في العدد المقبل..
———————————————-
1. أكنسوس، المصدر السابق، ص 88-92.
أرسل تعليق